نسمع كثيرا عن العولمة، التي تمثل سرعة انتشار الثقافات وكذلك المنتجات والخدمات بين دول العالم أجمع،

إلا أن ذلك المفهوم المثالي من وجهة نظر البعض يبدو سلبيا في رأي آخرين،

ما نوضحه الآن عبر الإجابة عن تساؤلات عدة، من بينها ما هي العولمة وما الإيجابيات والسلبيات المرتبطة بها؟

ما هي العولمة؟

تعرف العولمة بشكل مبسط بسرعة التبادل التي تحدث بين البشر،

فيما يخص السلع والخدمات وكذلك الثقافات ومظاهر التكنولوجيا والتطور،

بدرجة تجعل العالم يبدو مثل قرية صغيرة كما يقول المثال الشائع.

ظهرت العولمة بشكلها القديم في القرن الـ19، حيث قامت حينها على تقوية العلاقات بين الدول المختلفة،

فيما تطور المفهوم ليشمل جوانب عدة، نكشف عنها عبر مجالات العولمة المختلفة.

مجالات العولمة

ربما تجيب مجالات العولمة بصورة أكثر وضوحا عن التساؤل المطروح من قبل، والمتمثل في ما هي العولمة،

حيث تعتبر العولمة السياسية هي أولى مظاهر العولمة ظهورا، كونها تكشف عن تطور بعض القوى في دولة ما،

حتى صارت مسيطرة في جميع دول العالم الأخرى، مثلما الحال بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية على سبيل المثال،

والتي تضع القواعد والمعايير الصحية المتبعة في الدولة التي تحتضن مقرها وهي سويسرا، وفي غيرها من البلاد.

تعد العولمة الاقتصادية أيضا واحدة من مجالات العولمة، التي يعبر عنها تعدد المنظمات والمؤسسات الاقتصادية

التي تشمل الكثير من دول العالم تحت مظلة واحدة، تماما مثل مجال آخر من مجالات العولمة والمعروف باسم العولمة المالية،

الممثلة في أسواق الأسهم والبورصة، باعتبارها دليلا على تأثر سوق ما جراء حدوث تغيرات في أسواق أخرى ببلاد أخرى.

تعتبر العولمة الثقافية من أكثر أشكال العولمة تأثيرا، حيث تبدو واضحة المعالم في ظل سهولة انتقال الثقافات والعادات

من دول وقارات إلى دول وقارات أخرى، لتدمج الثقافات المختلفة داخل ثقافة واحدة شاملة،

الأمر الذي صار أكثر سهولة في وجود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تحديدا.

تكشف وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى عن مجال آخر للعولمة يعرف بالعولمة التكنولوجية،

إذ بدا من المعتاد أن نشعر بوجود رابط واحد يجمع بين الملايين من البشر حول العالم، بفضل مواقع م

ثل فيسبوك وإنستجرام، وكذلك يوتيوب وسكايب، ما يؤثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة أحيانا، ليكشف ذلك عن العولمة الاجتماعية.

إيجابيات العولمة

تتعدد الإيجابيات الخاصة بالعولمة، والتي ترتبط بشتى مجالاتها، حيث ساهمت العولمة الاقتصادية

على سبيل المثال في سهولة الحركة التجارية والتبادل الاقتصادي بين الدول المختلفة،

بما يؤثر بالإيجاب على الأوضاع المالية في كل دولة، ما ساعد على ظهور صناعات جديدة وأدى لانتشار

وسائل تكنولوجيا حديثة، وقلل من نسب الفقر في بعض الدول التي تأتي في مقدمتها الصين والهند.

كذلك أدى التطور الاقتصادي في بعض الدول المستفيدة من العولمة، إلى ظهور المزيد من فرص العمل،

لينتج عن ذلك انخفاض نسب البطالة وتحسن الأوضاع المعيشية للمواطنين، ويكشف ذلك عن تأثير العولمة

على الجانب الاقتصادي والمادي للأفراد، مع الوضع في الاعتبار أن وجود مطاعم وجبات سريعة

ومنتجات رائجة في أغلب دول العالم، مثل كوكاكولا وماكدونالدز يعتبر من مظاهر العولمة أيضا.

على الجانب الثقافي، ساهمت العولمة في زيادة ترابط الشعوب المختلفة، من واقع زيادة فهم أفكار واعتقادات

كل مجموعة، الأمر الذي ربما ساعد على زيادة تقبل الآخر بما يحمل من أفكار تبدو شديدة الاختلاف،

ما تحقق في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك مع تسهيل عمليات السفر والهجرة من دولة لأخرى،

وهي كلها أمور ساهمت في سهولة انتشار المعلومة.

أيضا تبدو الكتب والأفلام السينمائية والموسيقى من مظاهر الربط بين الشعوب، استفادة من العولمة الثقافية،

التي جعلت من غير المستغرب أن يفهم المواطن العادي في دولة عربية أفكار المواطن في دولة غربية والعكس،

علما بأن بعض الأعياد والتقاليد قد انتقلت من مكان لسائر دول العالم بفضل العولمة،

والدليل هو احتفالية الجمعة السوداء أو البيضاء كما يطلق عليها في الدول العربية،

والتي ظهرت بالولايات المتحدة قبل أن تطوف العالم.

سلبيات العولمة

تبدو سلبيات العولمة متنوعة بقدر تعدد إيجابياتها، حيث يظهر التأثير السلبي للعولمة الاقتصادية تحديدا،

في ظل سهولة تحكم وسيطرة الدول الكبرى على اقتصاد العالم ومعاييره،

الأمر الذي يصبح مدعوما بالعولمة السياسية التي أتاحت الفرصة للدول القوية من أجل التحكم في مصير بعض الدول النامية.

كذلك أدى الترابط الواضح والدمج الذي حدث على المستوى الثقافي بين الدول المختلفة، إلى ضياع هوية بعض البلاد،

التي سايرت العولمة بصورة تامة، حتى صارت نسخة مصغرة من دول أخرى غربية.

يرى الخبراء أن السلبية الأعظم للعولمة تتمثل في سهولة تحسن مستويات الدول الغنية، على حساب زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية

في الدول الفقيرة، فبينما استفادت بعض الدول النامية من العولمة، فإن هناك الكثير من الدول الفقيرة الأخرى التي ازدادت فقرا مع ظهور هذا الوضع الاقتصادي المختلف.

في الختام، تبدو العولمة متعددة الجوانب الإيجابية، إلا أن سلبياتها تؤثر على الأوضاع الاقتصادية والثقافية أحيانا بصورة أكثر وضوحا، ما يكشف عن ضرورة الاستفادة منها بالشكل المناسب لكل دولة وبما يتفق مع معاييرها الخاصة.