قصة الزير سالم

قصة الزير سالم لا تُعد من الأساطير الخيالية التي ابتكرتها العقول، ولا تم تأليفها للتسلية، ولكنها قصة حقيقية تداولها الكثير من المؤرخين، ووُجدت الأشعار الخاصة بها في الكتب الأدبية، وكذلك قام النحاة في العصر العباسي بالاعتماد عليها في شواهدهم النحوية، ولكن القصة تعرضت لما تعرضت له قصة أبي زيد الهلالي، عنترة بن شداد، وقصص الشعراء العذريين من (التحريف، الالتباس، التكرار، الزيادة أو النقصان) حتى أن حرب الزير سالم مع ابن عباد الحقيقيه قد تم الخلط بها في العديد من القصصالزير سالم هو (عدي بن ربيعة) من قبيلة تغلب وأخوه الفارس الشجاع (وائل بن ربيعة) ولقبه كليب الذي قُتل على يد (جساس بن مرة بن ذهل)، وقد تم تلقيب عدي بن ربيعة بالزير بسبب أنه يُجالس النساء كثيرًا، وكذلك كان لقبه بالمُهَلهِل لأنه أول من عمل على ترقيق الشعر وخصصه لرثاء أخاه كليب بعد موته والذي دُفن في وادي الحصى والجندل، وقد كان الشعر قبل الزير عبارة عن مقطوعات صغيرة وأبيات، وبعد وفاة كليب قام الزير برثائه من خلال قصائد طوال حزينة ومنها الآبيات التالية:

أهاجَ قذاءَ عيني الادّكارُ    ***  هدوءاً فالدموع لها انحدارُ

دعوْتُك يا كليبُ فلمْ تجبني ***  وكيف يجيبني البلدُ القِفارُ

أجبني يا كليبُ ـ خلاك ذمٌّ     *** لقد فُجِعـــــــتْ بفارسها نزارُ

خذْ العهدَ الأكيدَ عليّ عمري ***    بتركي كلّ ما حوت الديارُ

وهجري الغانياتِ وشربَ كأسٍ  ***  ولبســـــــي جبّةً لا تُستعارُ

ولستُ بخالع درعي وسيفي  ***    إلى أنْ يخلعَ الليلَ النهارُ

والقصة تدور وتتحدث عن حرب البسوس التي نتج عنها ظهور ما للزير سالم من شجاعة وبطولة، وكانت نتيجتها قيام حرب قاتلة بين قبيلتي بكر وتغلب، وظلت الحرب قائمة إلى ما يقرب من الأربعين عامًا، وفي قصيدة التبع اليماني بعض الأحداث والصفات التي تتعلق بالزير سالم بقوله:

ويأتي الزير أبو ليلـى المهلهـل
فيصلي الحرب في كل البـلادي
ويقـهـر كـل جبـار عـنـيـد
بضرب السيف في يوم الجـلادي

شخصيات قصة الزير سالم

تلك القصة تحمل العديد من الأحداث والشدائد التي لن يتمكن الزمن من مسحها، إذ أنها نشبت بين أولاد العمومة فشتت شملهم، وبدلت أمورهم وفتكت بالكثير من الفوارس الأشداء فسقط عدد لا يمكن إحصاؤه من القتلى، وشخصياتها كانت بيوتهم تقع في أطراف بلاد الشام التي تحكمهما قبيلتان عربيتان وهما بكر وتغلب، وهم:

  • ربيعة وكان من الملوك العربان.
  • أخو ربيعة اسمه مُرّة وكذلك كان من الأمراء.
  • أبناء ربيعة وهم: كليب، وسالم أو (الزير، المهلهل)، ودرعان وغيرهم، ولديه أبنة فقط ذات شكل جميل وطباعها كذلك واسمها ضباع.
  • أبناء الأمير مُرّة منهم: جسّاس، همّام، وأبنة نبيلة وجميلة اسنها الجليلة.

بداية قصة الزير سالم

لقد كانت بدايتها قبل الهجرة بما يقرب من المائة عام، وترتبط البداية بالأحداث التي تسبقها، حينما أغار ربيعة على الملك الكندي وفاز في معركة السلاة، والذي دفع الكندي إلى الاستعانة بالتبع اليماني للانتصار على الربيعة فقام بإرسال جيش وأسر الربيعة وقتله، فصار لولدي الربيعة ثأر عند التبّع اليماني على الرغم من صغر سنيهما في ذلك الوقت.

أحداث قصة الزير سالم

لقد كان كليب زعيمًا لقبيلة ربيعة، وكان مُحبًا لابنة عمه جليلة كثيرًا، في حين أن والدها زوجها لملك التبَّع الذي قام بإهداء قبيلتها عدد من الصناديق التي يملؤها الذهب، ونتيجة لهذا عزم كليب على جمع شُبان القبيلة واختبأوا في الصناديق الحاملة لأشياء جليلة، وحين وصولهم إلى القصر خرج الشباب من الصناديق وقتلوا الملك في الليل، وقد كان الزير سالم في ذلك الحين طفلًا صغير السن.

وبعد ذلك رجع كليب ومعه جليلة إلى القبيلة وتزوجا بعد فترة، ولكن كان جساس أخو جليلة يشعر بالضيق والحنق من كليب الذي قام بالسطو الكبير، حتى وصل اليوم الذي قامت البسوس (خالة جسّاس) بترك ناقتها مع إبل جساس للرعي، ثم شاهدها كليب وقد كان لا يقوم بالسماح لغير أنسبائه بالرعي في تلك المنطقة، فقام بتوجيه أحد السهام نحوها فأُصيبت بضرعها وماتت، فقال جسّاس لصاحبة الناقة: “اسكتي فإني سأقتل بها علالًا” (وهو إبل كليب)، ومنذ ذلك كانت بداية مراقبة جسّاس وترصده لكليب.

وفاة كليب

وبعد ذلك زاد الحقد من أفعال كليب إلى اليوم الذي قامت فيه مجموعة من النساء بالذهاب إلى موارد المياه وقام كليب بمنعهن، في حين أن معهن عدد من الفرسان لكي يحميهن ومن بينهم جسّاس وعمرو بن الحارث وحدثت مشادات بينهم وبين كليب بعد أن ذكروا قصة ناقة البسوس، فثارت الحمية بدم الجسّاس وقام بطعن كليب، وقد كان طلب كليب الأخير من الجساس شربة مياه عندما كان على وشك الموت.

وأدرك جساس أن فعلته ستشعل نيران الحرب التي لن تنطفئ فذهب إلى أهله وكشف ركبيته، وقص عليهم ما حدث، فتسارع الناس حتى يخبروا الزير الذي دفن أخاه ورثاه لأعوام طويلة وقد اعتقد الناس أنه نسى ثأر أخيه، وبعد أن اطمأن مرّة وأبنائه من هدوء الزير عادوا إلى ديارهم، ليقوم الزير بعد ذلك بمحاربتهم، ومن الابيات التي كتبها كليب للزير سالم:

هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه.
أول بيت أقوله استغفر الله إله العرش لايعبد سواه.
و ثاني بيت أقول الملك لله بسط الأرض و رفع السماء.
و ثالث بيت وصي باليتامى و احفظ العهد و لاتنسى سواه.
و رابع بيت أقول الله أكبر على الغدار لاتنسى أذاه.

و خامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه.
و سادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه.
و سابع بيت سالم كون رجال لأخذ الثأر لاتعطي وناه.
و ثامن بيت بالك لا تخلي لا شيخ كبير و لا فتاة.
و تاسـع بيـت بالـك لا تصـالـح و أن صالحـت شكـوت لـلالـه.
و عاشر بيت أن خالفت قولـي فأنا وياك إلى قاضي القضاه.

وقد كانت تلك الأبيات هي وصية كليب للزير سالم التي تركها له قبل وفاته.

الحرب

وقد حدث بين القبيلتين نتيجة موت كليب العديد من الحروب التي طالت الأطفال، النساء وكذلك الرجال، وقد تفرقت خلالها قبائل بكر ما بين بين مؤيدين ومعارضين، وظلت الحرب قائمة إلى أربعين عامًا، ولم تنتهي الحرب على الرغم من أن الكثير من القبائل تدخلت لانهاء وخمد نيرانها، ومن أشد خمس وقائع حدثت فيها:

  1. يوم الذنائب: والذي قتل فيه همّام بن مرّة.
  2. يوم الواردات.
  3. يوم عنيزة.
  4. يوم القصيبات.
  5. يوم تحلاق اللمم.

نهاية قصة الزير سالم

وقد أصبح الزير ليس هذا الفارس المُحرك للجيوش حتى يأخذوا الثأر بكلمة منه، إذ أن القبائل كانت قد أُنهكت تمامًا ولجأت للصلح، ولكن الزير رجع وأغار على قيس بن ثعلبة، فظفر به عمرو بن مالك وقام بأسره والإحسان إليه، حتى سمعه يقول شعرًا في ابنته عندما كان مخمورًا، فأقسم بعدم سقيه شربة مياه إلى أن يرِد الخضير، (والخضير هو البعير الذي لا يرِد المياه إلا في سابع يوم)، فلم يرد إلا وقد مات الزير بالفعل، وفي رواية أخرى قيل أن الزير مات على يد عبدين ممن تم وضعهم حتى يخدموه خلال سفره، وهكذا كانت نهايته، وقد تم القول بأن موقع قبر الزير سالم الحقيقي يوجد في منطقة (وصاب) الواقعة في نهاية السلسلة الجبلية الطالة على سهول تمامة باليمن.

وقد قام الهجرس ابن كليب وجليلة بقتل خاله جسّاس بضربة رمح في صدره، إذ سيطرت عليه عصبية الجاهلية الداعية للثأر والتي جعلته ينسى صلة الدم مع خاله.