السؤال
هناك اعتقاد شائع جدًا بين المسلمين ، وهو:
“أن دعوة ٤٠ غريب مستجابة” فهل هذا صحيح ؟
وما هو الصحيح في أن دعاء الغريب للغريب مستجاب ؟
الجواب
الحمد لله
أولا:
لم نقف على حديث بهذا اللفظ؛ والظاهر أنه مجرد قول لبعض الناس، لعله استخلصه من
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ،
فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ ) رواه مسلم (948).
والمقصود بـ (فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ) أي: بالصلاة وما فيها من الدعاء.
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
” وفي حديث آخر: ( إن الله يستحي أن يمد العبد يده إليه فيردها صفرًا ). فإذا رأى الله عز وجل أربعين من عباده المؤمنين يشفعون في بعض عباده،
استحى أن لا يشفعهم ” انتهى من “الإفصاح” (3 / 230 – 231).
وأما تقييدهم بالغرباء في هذه المقولة؛
فالظاهر أن المقصود بهم المسافرون؛ لما ورد أن دعوة المسافر مستجابة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ) رواه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)،
وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ”.
قال التوربشتي رحمه الله تعالى:
” واختصاص هؤلاء الثلاثة بإجابة الدعوة: لانقطاعهم إلى الله بصدق الطلب،
ورقة القلب، وانكسار البال، ورثاثة الحال؛ أما المسافر فلأنه منتقل عن الموطن المألوف، ومفارق عمن كان يستأنس به، مستشعر في سفرته من طوارق
الحدثان، فلا يخلو ساعتئذ عن الرقة والرجوع إلى الله بالباطن. وأما المظلوم فإنه متقلب إلى ربه على صفة الاضطرار
” انتهى من”الميسر في شرح مصابيح السنة” (2 / 519).
وقبول دعوة المسلم لأخيه ليس
متوقفا على كون الداعي غريبا ، ولا أن يكون الداعون قد بلغوا أربعين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ ،وَلَكَ بِمِثْلٍ ) رواه مسلم (2733).
ثانيا :
وأما ” دعاء الغريب للغريب مستجاب “، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ، ولعل المقصود به حديث
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( مَا دَعْوَةٌ أَسْرَعَ إِجَابَةً ، مِنْ دَعْوَةِ غَائِبٍ لِغَائِبٍ ) .
رواه أبو داود (1535)، والترمذي (1980)،
وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَالأَفْرِيقِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ ” انتهى.
وضعفه الشيخ الألباني في “ضعيف سنن أبي داود” (2 / 99).
ومع ما ذكر من ضعف الحديث المذكور، فليس المقصود بالغائب فيه بالضرورة أن يكون هو الغريب
عن وطنه الذي لا يُعرف، فليس هذا بلازم ، بل المراد به عموم الدعاء للمسلم بظهر الغيب، يعني: من
دون إسماع المدعو له، لكمال الإخلاص في الدعاء، ولذا أخرجه الترمذي وأبو داود في باب دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب،
فهو بمعنى حديث ( دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ) رواه مسلم (2733).
والله أعلم.
موقع الإسلام سؤال وجواب