مع التقدم الصناعي المتسارع، يزداد الطلب على الطاقة بشكل ملحوظ، وبات من الواضح أن الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة، مثل البترول والفحم والغاز الطبيعي، لم يعد كافيًا لتلبية احتياجات المجتمعات المتزايدة، فضلا عن المخاطر البيئية الجسيمة التي تُسببها هذه المصادر في مختلف مراحل استخراجها ونقلها وإنتاجها.
لذلك، أصبح البحث عن بدائل جديدة للطاقة ضرورة مُلحة. ومن بين هذه البدائل، تبرز الطاقة النووية كأحد أهم الخيارات الواعدة، فهي ثاني أكبر مصدر للطاقة منخفضة الكربون في العالم بعد الطاقة الكهرومائية، وفقًا للرابطة العالمية للطاقة النووية، فضلا عن كونها تتميز بكفاءة عالية حيث تنتج كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية، والاستثمار فيها يعنى تطوير صناعة ذات تقنية عالية من شأنها توفير فرص وظيفية مميزة على مدى عقود قادمة.
وقد أولت الدولة المصرية اهتماما خاصا بمشاريع الطاقة النووية في توليد الكهرباء فى ظل استراتيجيتها الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الكهرباء، إلى جانب توطين تكنولوجيات محطات الطاقة النووية المختلفة فى مصر، حيث شرعت فى بناء مشروع الطاقة النووية بالضبعة الذى يستهدف تطوير وإنشاء محطة لتوليد الطاقة النووية لتلبية احتياجات الدولة المتزايدة من الكهرباء. ويتم تنفيذ المشروع بالتعاون مع شركات ومؤسسات دولية متخصصة في مجال الطاقة النووية. يتضمن ذلك تصميم وبناء المفاعل النووي والبنية التحتية اللازمة لتشغيل المحطة. ويتم التركيز على تنفيذ إجراءات السلامة والأمان العالية لضمان عملية تشغيل آمنة وفعالة .
مشروع الطاقة النووية بالضبعة
وفى هذا السياق، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تتناول لمحة تاريخية عن مشروع الضبعة منذ نشأته وصولا إلى مراحل التنفيذ الحالية، إلى جانب أهميته والآثار الإيجابية المتوقعة على مختلف الأصعدة، وتحليل دقيق للتحديات المرتبطة بتنفيذ المشروع، وذلك على النحو التالي:
أولا: بداية مشروع الضبعة النووي
بدأ البرنامج النووي المصري مبكراً ومنذ حقبة الستينيات، وكان بالتعاون مع الجانب الروسي الذى ساعد مصر في إقامة أول مفاعل نووي عام 1961، وكان سيتم التوسع فيه بشكل يجعل مصر ضمن قائمة الدول النووية الكبرى، لكن المشروع توقف بسبب الخلافات بين الرئيس الراحل أنور السادات والسوفييت آنذاك والتوجه المصري نحو الغرب، الأمر الذي قضى تماماً على التعاون الروسي في مجال الطاقة النووية.
وبعد ذلك فكرت الدولة المصرية في بناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة السلمية وتحلية مياه البحر أثناء عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتم اختيار منطقة “الضبعة” بمحافظة مرسى مطروح مكاناً للمشروع لعدة أسباب أولها أن “الضبعة” مكان ملائم وآمن جداً، وقريب من المياه والتي يمكن استخدامها لتبريد المحطات النووية. كما أنها أرض مستقرة بعيدة عن حزام الزلزال مما يضمن عدم حدوث ترسيب نووي، إضافة إلى أنها تبعد نحو 60 كيلومتراً من التجمعات السكانية، وبالتالي لن تشكل خطورة بيئية أو مجتمعية، وتم إجراء عدة دراسات أثبتت أن موقع الضبعة هو الأنسب لإنشاء محطة نووية.
لكن الغرب لم يترك مصر تهنأ بإقامة هذا المشروع بل وقف ضد إقامته بكافة الطرق، إلى جانب رفض عدد كبير من رجال الأعمال المصريين إقامة المشروع في منطقة “الضبعة ” بحجة أن هذا المشروع سيؤثر على السياحة في المنطقة، حيث مارسوا الكثير من الضغوط على الحكومة لتأجيله أو اختيار مكان آخر غير “الضبعة”، لكن الحكومة لم تلتفت لهم وقررت المضي قدماً في بناء المحطة مهما كلفها الأمر .
وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد قرر أن يعيد إحياء المشروع خاصة أنه سيحل أزمة الطاقة ويوفر ما يعادل 75% من احتياجات مصر الكهربائية، بل إنه سيوفر فائضاً للتصدير إضافة إلى أن المحطة النووية لن تستهلك وقوداً كثيراً مقارنة بمحطات توليد الكهرباء، لكنها ستنتج أضعاف ما تنتجه محطات التوليد من طاقة كهربائية قد تصل إلى 20 ألف ميجاوات للمحطة الواحدة، ولذلك أصر الرئيس السيسي على تنفيذ المشروع مهما كانت الضغوط الغربية والدولية، ومهما كانت العراقيل، فالطاقة قضية أمن قومي لاسيما فى ظل أزمة الطاقة التي يشهدها العالم حاليًا، والتى تؤكد صحة رؤية الدولة المصرية واستراتيجيتها بشأن الطاقة وتنويع مصادرها.
أسباب اختيار مصر لدولة روسيا لبناء مفاعل “الضبعة”
كان اختيار روسيا مبنياً على عدة أسس أهمها أنها دولة صديقة منذ عقود طويلة وكانت أول دولة تساعد مصر في بناء البرنامج النووي في الستينيات، كما أنها تعد الدولة الوحيدة التي تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، ولا تعتمد على استيراد مكوناتها من أي دول أخرى قد يكون بينها وبين مصر عداوة تعرض المشروع للاحتكار من قبل هذه الدول، إضافة إلى أن روسيا لها تاريخ طويل في دعم مصر فهي من أنشأت مفاعل أنشاص وساهمت في بناء السد العالي كما أنها دولة قوية يصعب اختراق أمنها، فضلاً عن أن روسيا لم تضع أي شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة، وستقوم بتوفير الوقود النووي طوال دورة حياة محطة الطاقة النووية.
كما ستنشئ روسيا مركز معلومات للطاقة النووية وتقوم بنشر ثقافة التعامل معها شعبياً، كما أنها وافقت على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، مع وجود فترة سماح علاوة على إنشاء مصانع روسية في مصر لتصنيع مكونات المحطة محلياً وعقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية للمصريين بسهولة”.
هذا بالإضافة إلى أن الجانب الروسي يضمن تحقيق أعلى متطلبات الأمن والأمان النوويين وخصائص السلامة العالمية التي تشملها تصاميم المفاعلات الحديثة من الجيل الثالث المطور، حيث توفر أنظمة الأمان للمفاعلات الروسية “VVER-1200” مستوى غير مسبوق من الحماية ضد العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية.
وفى فبراير 2015، وقع الرئيس عبد الفتاح السيسى مع نظيره الروسي فلادمير بوتين اتفاقية إقامة أول محطتين نوويتين لتوليد الكهرباء بأرض الضبعة كمرحلة أولى والتى تستوعب حتى 8 محطات نووية.
ويعد مشروع الطاقة النووية في الضبعة مشروعًا طموحًا يهدف إلى توليد الكهرباء من خلال الطاقة النووية. ومن المفترض أن يكون لديه احتياجات معينة لتنفيذه بنجاح، وقد تشمل بعض الاحتياجات المحتملة لمشروع الطاقة النووية بالضبعة التالي:
-موقع مناسب: يحتاج المشروع إلى موقع مناسب يتمتع بالأمان اللازم والبنية التحتية اللازمة لتشييد المفاعل النووي ومرافق الدعم المرتبطة به.
-تراخيص وتصاريح: يلزم الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة من الجهات الحكومية المعنية قبل البدء في بناء وتشغيل المفاعل النووي.
-تمويل: يحتاج المشروع إلى تمويل كافٍ لتنفيذه، حيث تكون تكلفة بناء وتشغيل المفاعلات النووية عالية.
-الخبرة والكفاءة: يتطلب المشروع فريقًا مؤهلاً من العلماء والمهندسين ذوي الخبرة في مجال الطاقة النووية لتصميم وبناء وتشغيل المفاعل النووي بأمان وفعالية.
-الأمان: يجب أن تكون عوامل الأمن والأمان هي أحد الأولويات الرئيسية في مشروع الطاقة النووية، ويجب توفير الإجراءات، والتدابير اللازمة للحد من أي خطر نووي محتمل وللتعامل بفاعلية مع أي حادثة تطرأ.
-إدارة النفايات النووية: يجب وضع خطة فعالة لإدارة النفايات النووية المتولدة من المشروع، بما في ذلك تحديد مواقع آمنة للتخزين المؤقت والنهائي للنفايات النووية.
شاهد أيضاً: لصالح روسيا والصين.. دعم إسرائيل يُفقد أمريكا شعبيتها
ثانيا: تنفيذ المشروع النووي
وقعت مصر عقد إنشاء محطة الضبعة النووية مع الجانب الروسي في 2015، لتبدأ رحلة التنفيذ وفق العقود الموقعة بين البلدين، تعتبر هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) هي المالك والمشغل للمشروع، وتعتبر مؤسسة روساتوم (ROSATOM) والشركات التابعة لها المقاولين الرئيسيين. حيث تم الاتفاق على إنشاء والدعم في تشغيل محطة الضبعة النووية من خلال عدد من العقود، وهى العقد الرئيسي (EPC) للهندسة والتوريد والبناء، وعقد توريد الوقود، وعقد دعم التشغيل والصيانة، وكذلك عقد تخزين الوقود النووي المستهلك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن “روساتوم” شركة روسية شهيرة في مجال الطاقة، تُقدم حلولًا متكاملة للطاقة النظيفة اعتمادًا على الطاقة النووية، بداية من تصميم وإقامة وتشغيل المحطات النووية، وصولًا إلى التنقيب عن اليورانيوم وتحويله وتخصيبه وتوفير الوقود النووي، وإيقاف تشغيل وتفكيك المحطات النووية القديمة، ونقل مخزون الوقود النووي المستنفد والتخلص الآمن من النفايات النووية، وتعدّ “روساتوم” أكبر شركة عالمية متخصصة في إقامة الجيل الثالث من المحطات النووية، ولديها حاليًا أوامر تصدير بقيمة 133 مليار دولار على مدار السنوات الـ 10 المقبلة.
صرحت شركة “روساتوم” رسميًا بعد إتمام التعاقد مع مصر أن المحطة النووية التي ستبنيها في الضبعة تتكلف 21 مليار دولار أمريكي، وتتوقع أن ينتهي العمل فيها عام 2028- 2029. وبحسب بيان “روساتوم”، فإن مشروع محطة الضبعة النووية هو أكبر مشروع مشترك بين موسكو والقاهرة، لأنه يعزز علاقات مصر وروسيا التقليدية ويرفعها إلى مستوى استراتيجي مهم. وشبهت الشركة تنفيذ هذا المشروع بمشروع السد العالي، الذي أنجزته روسيا خلال الحقبة السوفيتية.
تقضي الاتفاقية المُبرمة بين مصر وروسيا بحصول مصر على قرض روسي يصل إلى 25 مليار دولار مخصص لتنفيذ أعمال محطة الضبعة على 13 دفعة سنوية، خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2028، ويغطى القرض 85% من قيمة تنفيذ الأعمال والخدمات والشحنات، على أن تغطى مصر نسبة الـ15% المتبقية، وقدرها 4.5 مليار دولار تقريباً. وتُلزم الاتفاقية مصر بسداد القرض، بفائدة سنوية 3%، على مدى 21 عاماً، بإجمالي 43 قسطاً متساوياً نصف سنوي، في 15 إبريل و15 أكتوبر من كل عام، بداية من أكتوبر 2029 حتى أكتوبر 2050، وتبلغ القيمة الكلية للقرض بفوائده التراكمية حتى حلول أجل السداد طوال فترة سداده 41 مليار دولار. وينص الاتفاق على أن القرض يستخدم على مدار ثلاثة عشر عامًا، يبدأ سداد الفوائد على القرض فورًا مع استلام أول دفعة من القرض، على أن تبلغ التكلفة النهائية المشروع 28.75 مليار دولار.
يهدف مشروع الضبعة للطاقة النووية إلى بناء أربع وحدات من مفاعلات الماء المضغوط PWR من الطراز الروسي VVER-1200 (AES-2006) بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة، أي بقدرة إنتاجية من الكهرباء تصل إلى نحو 4800 ميجاوات، حيث إن مفاعلات الماء المضغوط PWR التي تم اختيارها هي أكثر أنواع المفاعلات شيوعًا في جميع أنحاء العالم.
مراحل التشغيل:
-المرحلة الأولى: وهي المرحلة التحضيرية، وقد بدأت منذ ديسمبر 2017 وتهدف إلى تجهيز وتهيئة الموقع لإنشاء المحطة النووية، ومدتها من عامين ونصف إلى أربعة أعوام.
-المرحلة الثانية: وتبدأ بعد الحصول على إذن بدء الإنشاء وتشمل كافة الأعمال المتعلقة بالبناء والتشييد وتدريب العاملين والاستعداد للبدء في اختبارات ما قبل التشغيل، ومدة المرحلة الثانية 5 أعوام ونصف.
-المرحلة الأخيرة: وتشمل الحصول على إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل والتي تشمل إجراء اختبارات التشغيل وبدء التشغيل الفعلي وتستمر هذه المرحلة حتى التسليم المبدئي للوحدة النووية وإصدار ترخيص التشغيل، ومدة اختبارات ما قبل التشغيل 11 شهرا.
تستكمل هيئة المحطات النووية حاليا مرافق البنية التحتية واستكمال بناء مجاورات سكنية للمصريين والأجانب العاملين بالمشروع وإنشاء الرصيف البحري، إلى جانب الانتهاء من المرحلة الأولى من أعمال تسويات الموقع ضمن الأعمال التمهيدية للمشروع والبدء في إنشاء القاعدة الأساسية ومباني وهياكل قاعدة أعمال الحفر، ويرتبط تقدم العمل بالمشروع ارتباطا مباشرا باستخراج التراخيص حيث إن استخراجها يهدف للتأكد من استيفاء كافة الوثائق القانونية اللازمة من أجل أمان المحطة. وعليه فإن الهيئة تقوم باستخراج كافة التراخيص والأذونات المطلوبة المتعلقة بالموقع والإنشاء وتجارب بدء التشغيل والتشغيل والتي تصدر من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية. وفيما يلي حصر بالتراخيص المتعلقة بالمشروع النووي بالضبعة وفقا لبيانات هيئة المحطات النووية المصرية Nuclear Power Plants Authority – NPPA:
تراخيص محطة الضبعة النووية
المصدر: هيئة المحطات النووية المصرية NPPA
يحدد قانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية الصادر بالقانون رقم 7 لسنة 2010 وتعديلاته بالقانون رقم 211 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية متطلبات صارمة للغاية لأمان المنشآت النووية. ويتضمن القانون أيضًا مبدأ أساسي وهو أن الجهة المشغلة للمحطة تتحمل المسئولية كاملة عن الأمان. لذا فإن هيئة المحطات النووية كونها المالك والمشغل المستقبلي لمحطة الضبعة النووية، هي المسئولة عن ضمان أمان المحطة النووية طوال عمرها التشغيلي، وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية هي الجهة الوطنية المنوط بها التحقق من ذلك.
جدير بالذكر أن هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تتولى كافة الأعمال التنظيمية والمهام الرقابية المتعلقة بالأنشطة النووية والإشعاعية في مصر للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وذلك على نحو يضمن أمن وأمان الإنسان والممتلكات والبيئة من أخطار التعرض للإشعاع المؤين، ولها في سبيل تحقيق ذلك كافة الصلاحيات اللازمة لتنظيم تلك الأنشطة.
شاهد أيضاً: بعد جنون الذهب الفضة خيار المصريين الجديد لحفظ مدخراتهم
وقد حصرت هيئة المحطات النووية المصرية NPPA أعمال الإنشاء على النحو التالي:
أعمال الإنشاء بمحطة الضبعة النووية
المصدر: هيئة المحطات النووية المصرية NPPA
ثالثا: أهمية مشروع الضبعة النووية والآثار المترتبة عليه
يعتبر مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية عنصرا هاما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر واستراتيجية رؤية مصر 2030، حيث يحقق المشروع عوائد محلية تطابق مساعي الدولة، فاستراتيجية الطاقة في مصر لعام 2035 تركز على محاور رئيسية ومنها :
-المحور الأول : توفير مصادر التغذية الكهربية عن طريق التكنولوجيا المتطورة الجديدة مثل إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية أو الفحم وأيضا تكنولوجيا الضخ والتخزين، تعظيم دور الطاقات الجديدة والمتجددة، تنويع مصادر الطاقة.
-المحور الثاني: وهو الاستدامة حيث ساهمت الاصلاحات في مجال توفير الطاقة الكهربائية وتوفير الدعم في الاستدامة المالية، مما أثر على تشجيع الاستثمار .
–أهمية المشروع:
أ-نمو الناتج المحلي الإجمالي:تسهم مرحلة بناء مشروع الضبعة الجديد في تدفق نحو حوالي 9 مليارات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لمصر، مما ينعكس على نمو الناتج المحلي المصري.
ب-توليد طاقة نظيفة: تعتبر الطاقة النووية هي التكنولوجيا الوحيدة المُجربة والتي يمكن أن توفر كهرباء خالية من الانبعاثات حيث تُساهم المحطة في خفض 14 مليون و 500 الف طن سنوياً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتيجة الوفر الذى تحققه فى الاعتماد على الغاز والذى يصل إلى 7 مليار متر مكعب سنويا، ومن ثَم، تحافظ على موارد الطاقة من بترول وغاز طبيعي حيث إنها ناضبة وغير متجددة بالإضافة إلى تعظيم القيمة المضافة من خلال استخدام البترول والغاز الطبيعي كمادة خام لا بديل لها في الصناعات البتروكيميائية والأسمدة ، كما أنها تلعب دورا مهما فى مواجهة التغيرات المناخية.
ج-تنويع مصادر الطاقة: تخطو الدولة المصرية خطى متسارعة نحو توفير طاقة نظيفة والتوسع فى الطاقة المتجددة بما يحمي اقتصادها من تقلبات أسعار النفط، فمن المقرر أن يُوفر مشروع الضبعة النووي مصدر مستدام للطاقة، حيث إنه في إطار الاستراتيجية المتكاملة للطاقة تهدف الدولة للاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل كبير، وتستهدف إنتاج كهربائي من الطاقة المتجددة يبلغ 42% من إجمالي إنتاج الكهرباء في عام 2035 بالمقارنة ب 20% في عام 2022، على أن تكون نسبة 3% للطاقة النووية من إجمالي الطاقة المتجددة.
د-توفير الآلاف من فرص العمل: من المتوقع أن يسهم المشروع في توفير فرص عمل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الأنشطة المصاحبة للمشروع فكل وظيفة واحدة في تشييد محطة الطاقة النووية تسهم فى توفير10 وظائف في القطاعات ذات صلة، وتكون الأولوية في هذه الفرص لأبناء المنطقة المحيطة بالموقع في الضبعة، فإنشاء محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء سيعمل على توفير العديد من فرص العمل، حيث سيتطلب ذلك وجود عمالة من مختلف التخصصات خلال فترة إنشاء الوحدات الأربع، فمن المتوقع أن تصل إلى 12 ألف فرصة عمل يوفرها المشروع في مراحل الإنشاء و3 آلاف فرصة عمل متوقعة يوفرها المشروع في مرحلة التشغيل إلى جانب آلاف من فرص العمل غير المباشرة التى يوفرها المشروع فى الصناعات المكملة والمساعدة.
هـ-نمو البحث العلمي: يساهم تطور الطاقة النووية في نمو البحث العلمي والقدرات الفكرية القومية، كما يسهم فى تدريب الكوادر المصرية على تكنولوجيات الطاقة النووية ونقل الخبرات الروسية لتشغيل وصيانة وإدارة المفاعلات.
وعليه، فسوف تسهم الطاقة النووية وتكنولوجياتها فى فتح آفاق التعليم والبحث العلمى حيث سيتم التدريب على المفاعل بشكل عملي، والتكنولوجيات الحديثة للطاقة النووية مما سوف ينعكس على رفع المستوى التعليمى فى مجال الصناعات المتعلقة بتكنولوجيا الطاقة النووية ورفع المستوى العام من المعرفة العلمية وإنشاء مراكز لتدريب الطلاب والعلماء النوويين المستقبليين.
وـ-تطوير الصناعة المصرية: يعد تطوير الصناعة المصرية من أهم أولويات المشروع النووي المصري من خلال برنامج طويل المدى لإنشاء المحطات النووية تتصاعد فيه نسب التصنيع المحلي في كل وحدة جديدة طبقاً لخطة واضحة وملتزم بها، مما سيحدث نقلة ضخمة في جودة الصناعة المصرية وإمكاناتها ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية بسبب المعايير الصارمة للجودة التي تتطلبها صناعة المكونات النووية والتي ستنتقل بالضرورة إلى صناعة المكونات غير النووية التي تنتجها نفس المصانع. وتتصاعد نسب المشاركة المحلية للمشروع بدءا من الوحدة الأولى بنسبة 20% وصولا للوحدة الرابعة بنسبة 35 % مما سينعكس على الاقتصاد المصري وتطوير الصناعة.
ي-النهوض بالاقتصاد المصري بشكل عام :
يؤكد مشروع المحطة النووية على دور مصر كدولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا ووضعها على خريطة الدول المتقدمة في كل المجالات، وسوف يؤدى المشروع إلى تنمية منطقة الضبعة وحدوث رواج اقتصادي بالمنطقة من خلال فتح أسواق جديدة أثناء عمليات الإنشاء والتشغيل، والاستفادة من بناء العديد من الأسواق التجارية لتوفير احتياجات العاملين بالمشروع ولسكان مدينة الضبعة، والاستفادة من تطوير البنية التحتية من مرافق مياه وكهرباء وطرق واتصالات، والاستفادة من تطوير الخدمات الصحية (مستشفى متطور – خدمات اسعاف …) والتعليمية (مدارس متطورة لمختلف الأعمار السنية)، والاستفادة من وضع المشروع النووي على قائمة المزارات السياحية بمصر.
كما يمكن استخدام الطاقة النووية وتقنياتها في عدة مجالات أخرى مثل الطب والزراعة والغذاء وتحلية المياه وغيرها من المجالات المتعددة التى تسهم فى النهوض بالاقتصاد القومي.
رابعا: التحديات التي تواجه مشروع الضبعة
ظهرت تحديات سياسية، ومالية، واقتصادية واجتماعية مرتبطة بتنفيذ المشروع ممثلة فيما يلي:-
-واجه المشروع منذ بدايته نزاع على الأرض التي قام عليها المصنع، حيث عارض مواطنو الضبعة المشروع خاصة بعد أحداث يناير 2011 ، وفي عام 2013 أبرمت الحكومة اتفاق مع سكان المنطقة لبناء مدينة الضبعة الجديدة السياحية بتكلفة 145 مليون دولار، ومع قبول السكان للصفقة سعوا لضمان عدم وجود آثار ضارة منبعثة من محطة توليد الكهرباء.
-عارض رواد أعمال في مجال المنشآت العقارية قيام مشروع الضبعة لطموحهم في تطوير الأرض التي تقع على الساحل الشمالي وتمثل ثروة سياحية، حيث إن السياحة في مصر تعتبر مصدرا رئيسيا للربح وتحتل نسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي ومصدر للنقد الاجنبي. فهناك مخاوف من أن يتسبب المشروع في تثبيط السياحة لوجود المنتجعات السياحية على طول شاطئ الساحل الشمالي لمصر في الاسكندرية وغربا حتى مدينة مرسى مطروح، وتعتبر المدينة جاذبة للسياح المصريين والأجانب.
-تشكل النفايات النووية المتراكمة مخاطر بارزة لتلوث البيئة. وهناك العديد من سجلات الحوادث التي تم فيها التخلص من النفايات النووية بشكل غير صحيح أو معيب أو تم التخلي عنها ببساطة أو غسلها أو سرقتها من المخازن المؤقتة. عادةً ما يتم إصدار جزء بسيط من هذا النشاط إلى البيئة، حيث تسمح القوانين المنظمة للأنشطة النووية بإطلاق نسب منخفضة من المواد المشعة إلى البيئة المحيطة، كما تؤكد المبادرة أن محطات الطاقة النووية تستخدم كميات هائلة من المياه للتبريد وتسخينها ثم تفريغها في النظم البيئية القريبة من المياه، ما يؤثر سلبًا على جودة المياه وتنوع النظام البيئي.
وهنا يؤكد خبراء الطاقة النووية على التطور الكبير في أساليب معالجة النفايات النووية، حيث أصبحت تتم بطريقة آمنة وعالية التقنية، وتستخدم تكنولوجيا معروفة وموثوقة علمياً، وتلبي المعايير المُقرة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يُؤكد قدرة الدولة المصرية على التعامل مع النفايات النووية بكفاءة وفعالية دون أي مخاطر على البيئة أو الإنسان.
– مخاوف من احتمال التعرض لتسريب إشعاعي أو لانصهار نووي ناتج عن الإهمال أو إساءة معالجة مياه التبريد، ولكن خبراء الطاقة النووية يرون أن محطات الجيل الثالث تتمتع بدرجة عالية من الأمان، وذلك بفضل اعتمادها على التكنولوجيا المتطورة التى تضمن تأمين المفاعل في حالة استشعار أي خطر يتعرض له للمفاعل، ولكن يظل الخطر من إهمال العنصر البشري وعدم اتباعه للإجراءات الصارمة التى تضمن سلامة المحطة.
– هناك مخاوف متعدده بخصوص الاستمرار في بناء المحطة، أبرزها انها قد تكون وجهة مستهدفة للجماعات الإرهابية.
وتسعى الدولة المصرية باستمرار خلال مرحلة التنفيذ لمواجهة هذه التحديات والالتزام بالمعايير الدولية في مجال السلامة النووية والأمان لضمان حماية البيئة والسكان المحليين، واستكمال مراحل التنفيذ ، حيث إنه من المقرر أن يشهد عام 2024 مزيدا من أعمال الإنشاءات والتركيبات للأربع وحدات على التوازي، والانتهاء من استكمال البنية التحتية بالموقع سواء طرقا وشبكات، بالإضافة إلى إتمام الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة، وتركيب مصيدة قلب المفاعل core catcher للوحدة النووية الثالثة والرابعة والتى تعد أول جهاز كبير الحجم يتم تركيبه فى مبنى المفاعل تم تصميمه بهدف رفع درجة أمان وسلامة الوحدة فى حال حدوث أى أمر خارج إطار التصميم، ويتم توفيره لالتقاط المواد الأساسية المنصهرة «الكوريوم» بمفاعل فى حالة الانصهار غير المحتملة، مما يمنعها من الهروب والتسرب من مبنى الاحتواء.
وختاما، يُعد مشروع الطاقة النووية بالضبعة استثمارا استراتيجيا للدولة المصرية حيث سيسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعزز استقلالية الدولة فى مجال الطاقة عن طريق تنويع مصادر الطاقة وعدم الاعتماد على مصدر واحد، وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء فى السنوات القادمة.