كلام بسيط وجميل عن مصر ام الدنيا

لابد، ولا مفر، من أن تقشعر كل خلية في جسدك، وأنت شايف رئيس الجمهورية، في القرن الحادي والعشرين..
يقف منفردًا في استقبال مومياوات الملوك.
المومياوات دي في جوهرها وحقيقتها، ما هي إلا جثث لأبطال، ماتوا دفاعًا عن الأرض دي..

في زمن ما.. في عصر ما.. حملوا سلاح عصرهم.. قاتلوا.. نهضوا.. ثم سقطوا.. ثم نهضوا ثانية، ليفوزوا بكل شيء، حتى باحترامنا وتقديرنا.. وبتحية عسكرية واجبة.. من كل من حمل السلاح يومًا او وضع البزة العسكرية.. رغم مرور آلاف السنين.

إذا كنت مصري، فأنت جندي في جيش كبير، من مائة مليون جندي أو يزيدون، وإذا كنت أمازيغي، فلابد أن شيء ما في ثنايا عقلك ووجدانك الجمعي، يذكر جيدًا.. من زوّد “هانيبال القرطاجي” بالدروع المعدنية اللازمة للأفيال، وهو يزحف نحو روما، في حملة عسكرية رهيبة،

لا يعرف أحد كيف تمت ولا كيف نجحت، حتى لحظة كتابة هذه السطور.
لو كنت خليجي تضع الغترة والعقال.. فلابد أنك تذكر الأم العظمى، أم اسماعيل، السيدة “هاجر” المصرية.. أم أبو العرب، والتي جاء من نسلها خاتم النبيين بلسان عربي مبين، عليهم جميعًا خير الصلاة وأزكى السلام.

لو كنت أوروبي.. فلابد أنك تتذكر خطر المغول، ذلك الخطر الذي انتهى هنا.. فوق تراب هذه الأرض.
لابد أنك تذكر البتول “مريم” إذ جاءت مع المسيح عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام،

لتحتمي بهذه الأرض. ولابد أنك تدرك جيدًا أن من هنا خرجت “آسيا” ابنة الجنوب، لتقف في وجه فرعون الهكسوسي المحتل، رغم كونها في مخدعه.
إنها الأرض التي تمطى فيها “ذو الشراع المصري Spinosaurus aegyptiacus” أضخم

وحوش الدنيا وأكثرها عنفوانًا وشراسة، وهو ينفض الماء عن عنقه، الأرض التي سبكت أول سبيكة من الحديد، وصنعت سيفًا من الفولاذ، وقلادة من الذهب، وعرش من الفضة الخالصة، وروضت الخيول، وامتطت الأمواج لتفصح عن أول أسطول في التاريخ.

إنها تلك الأرض التي ستسمع اسمها كلما ذكرت جملة “أول مرة في التاريخ”.
إنها الأرض التي نشأ فيها أول جيش، وولدت فيها اول دولة، وبني فيها أول معمار مهيب على شكل هرمي، في دقة مبهرة مذهلة، على نحو تعجز عنه أية علوم،

باستثناء علوم تلك الحضارة التي صنعته.
الأرض التي ولدت فيها الكتابة وأول أورق، وعزفت اول نغمات موسيقية، وقتما كان بقية العالم يتصارع على ثمرة بالناب والمخلب.

إنها تلك الأرض التي تشكل واديًا مفتوحًا من كل الجهات، طمع فيه الجميع، ويمكنك بأية جيش صغير أن تغزوه.. لكن تلك لم تكن المشكلة قط.. المشكلة هي ما يحدث للمعتدي بعد الغزو.

إنها الأرض التي هاجر منها من “منف” إلى شبه الجزيرة رجال أشداء، ليشكلوا قبيلة “بنو عبد مناف”.. فتظهر قريش إلى الوجود. إنها الأرض حيث كتبت أول لغة وطبعت أول حروف وصكت أول عملة وتعلم منها البشر كيفية البناء،

تعلموا كيفية السقوط.. وكيفية النهوض.. وأنه لا استسلام ولا قعود، وأنه حتى بعد الموت، توجد حياة.. تعلموا معنى الانتصار، وعرفوا قبله مرارة الهزيمة.

إنها تلك الأرض التي ترعرع في واديها “أحمس” و”رمسيس” و”تحتمس” و”حسن رأس الغول” و”على الزئبق” و”الظاهر بيبرس” و”سيف الدين قطز” و”طومان باي”.. إمام الأبطال المهزومين في كل زمن وكل عصر.. ذلك الرجل الذي انهزم حيًا.. وانتصر أيما نصر، ميتًا.

إنها تلك الأرض التي ولد وتربى فوق ترابها ذلك الرجل الذي قاد جيش مصر، من نصر إلى نصر، ولم يهزم هزيمة واحدة عبر تاريخه، واختار أن يدفن فيها.. فسلام عليها وعلى “إبراهيم”.
إنها تلك الأرض التي عرف قومها الإله وبنوا له آلاف المعابد والمسلات التي تشير كأصابع توحيد إلى السماء قبل أن يعرفه أحد.

هلا أنصت لها فتحكي عن ماضيها؟ هل أتاك حديث موسى؟ هل أتاك حديث الجنود؟ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب؟ وهل أتاك حديث أكثر رجال الوجود ملاحة، يا صاحبي السجن.. أأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟

هلا تنصت فتسمع حدوات خيول جيش الإسكندر، العاديات ضبحًا، والموريات قدحًا، والمغيرات صبحًا؟
هلا تنصت فتدرك إننا جند في قيادة رجل، دون أن يطلق رصاصة واحدة، سار على نهج الأبطال القدامى، فقاد جيش مصر، من نصر إلى نصر؟
تحية لي، ولك.. ولهم.
تحية لجثث الملوك العظام.. ولحماة الأرض، ولقادة الجند.. وللجند، وللجد، وللحفيد.