يتراوح عدد بحيرات الحمم البركانية الموجودة على سطح الأرض ما بين 5 و8 بحيرات،
ولا يزيد عددها عن هذا الحد في أي وقت من الأوقات، حيث إن المعطيات اللازمة لتكوين هذه البحيرات محدودة جدا وغير شائعة،
إذ تستلزم وجود حجرة صهارية قريبة للغاية من سطح الأرض والتي ترتبط بباقي أجزاء البركان
بطريقة تسمح للحمم بالارتفاع إلى أعلى، «وفقا لما ذكره الخبير كينيث سيمز».
وهنا في وسط إفريقيا يتوارى واحد من أهم هذه البراكين وأكثرها جاذبية وخطورة في نفس الوقت، وهو «بركان نيراغنغو».
بركان نيراغونغو
يقع بركان نيراغونغو في جمهورية الكونغو الديموقراطية بإفريقيا، تحديدا في متنزه فيرونغا الوطني،
وهو غابة حيوية مليئة بمعالم الحياة المختلفة، وتمتد على طول حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية مع أوغندا ورواندا،
والتي تمثل أقدم المناطق المحمية في إفريقيا، وتشكل أيضا موطنا لما يقرب من ثلثي حيوانات الغوريلا الجبلية البرية في العالم،
كما يوجد بها 8 براكين تشكلت قبل 3 ملايين سنة إثر حركة الصفائح التكتونية الموجودة في القشرة الأرضية، ولا يزال منهما 2 فقط نشطين حتى الآن.
يبلغ عرض فوهة البركان 260 مترا تقريبا، ويعتبر أكبر بحيرة للحمم البركانية في العالم،
بحسب الدراسات التي أجراها الخبير بينوا سميتس على مدار 5 سنوات،
والذي ذكر فيها أيضا أنها تحتوي على حوالي 6 ملايين متر مكعب من الحمم،
وهو ما يكفي لملء 2500 حمام سباحة أوليمبي، أو ما يقارب 70 قاعة تضاهي كل منها في حجمها قاعة ألبرت الملكية Royal Albert Hall في لندن.
وتتجاوز درجة حرارة الصخور السائلة الموجودة في بحيرة النار 1000 درجة مئوية الأمر الذي جعله أحد أكثر البراكين جاذبية وخطورة.
نيران لا تنطفئ
يعد بركان نيراغونغو من أكثر البراكين نشاطا على مستوى العالم، حيث إنه في حالة ثوران دائم منذ عام 2002،
فعندما ينفجر يتم دفع الحمم البركانية إلى السطح من أعمق نقطة بداخله وهي «حجرة الصهارة»،
والتي تقوم بإطلاق غازها حتى يسكن الانفجار ويهدأ، قبل أن يعاود الكرة ليثور من جديد.
ويحدث الاندفاع المستمر للحمم صوتا أقرب إلى الشلالات التي تتدفق مياها وتنساب بغزارة،
ويتخلل هذا الصوت انفجارات عالية تقذف حمما بركانية حارقة بارتفاع يزيد على 10 أمتار في الهواء،
وفي بعض الأحيان تنبعث من البركان سحب بيضاء اللون تملأ فوهته، والتي تتألف من بخار الماء وثاني أكسيد الكبريت والكربون،
مما يؤدي إلى تعذر رؤية الحمم البركانية الملتهبة، وفي أحيان أخرى تنجلي هذه السحب لتكشف النقاب عن البحيرة
مما يتيح للزوار فرصة النظر إليها دون أي عائق، كذلك الشعور بالوهج الدافئ المنبثق منها برغم المسافة التي تفصلهم عنها والتي تقدر بحوالي 700 متر.
بوابة الجحيم
وبحلول الليل يصبح المشهد أكثر إثارة وجاذبية، إذ تتألق الأشكال المختلفة للصخور المنصهرة بلونيها الأحمر والأسود،
والتي تضيء الظلام الدامس في السماء بلونها البرتقالي المتوهج، ويعتبره الكثير من سكان المناطق المحيطة بركان الأسرار والغموض؛
إذ يؤمنون بأنه مسكون بالأرواح القادمة من الجحيم، بينما يعتقد آخرون أن هذه الحمم المتوهجة في القاع
تشكل مدخلا للعالم السفلي الذي يسحب إليه أرواح الخطاة من البشر ليلاقوا مصيرهم في تلك النيران،
كما يظن البعض أن البركان ناجم عن ثورات غضب الأرواح القابعة في جوفه والتي كانت تقدم كقرابين للشياطين قبل قرون.
وقد انتشرت الشائعات من بعض سكان المنطقة المحيطة بنيراغونغو حيث يقولون إن هذه القرابين كانت تتمثل في إلقاء الفتيات العذارى في جوف البركان،
وعلى النقيض يظن البعض أن الأرواح الطاهرة تذهب إلى الفردوس عبر جبل كاريسيمبي الواقع بجانب الحدود الرواندية للبركان.
زيارة تحفها المخاطر
إن زيارة بحيرة النار «كما يطلق عليها» مجازفة لا يقوم بها سوى أصحاب القلوب الشجاعة،
إذ يستلزم على الزوار أولا الذهاب إلى رواندا وعبور الحدود إلى داخل جمهورية الكونغو،
ثم تسلق جبل نيراغونغو الذي يبلغ ارتفاعه 3.470 مترا، ويستغرق الأمر قرابة 6 ساعات للوصول إلى قمة الجبل.
ونظرا للمخاطر التي تحف هذه المنطقة يستلزم وجود الزوار معا ضمن مجموعة واحدة برفقة أحد حراس الغابة المسلحين،
حيث يتعرضون إلى الكمائن بشكل مستمر ويطلق عليهم النار من قبل بعض الميليشيات المسلحة.
طاقة متفجرة وتهديد مستمر
شهد بركان نيراغونغو انفجارين كبيرين على مدار الـ50 عاما الماضية، أولهما عام 1977 عندما اندفع تيار هائل من الحمم البركانية بسرعة تقدر بـ30 كيلومترا في الساعة،
وقد اجتاح الانفجار القرى المجاورة مما أودى بحياة 60 شخصا على الأقل، وكانت المرة الثانية عام 2002،
عندما فتحت ثغرة في إحدى جوانب البركان أدت إلى تسرب الحمم وتدفقها نحو مدينة غوما،
وقد دمرت حوالي 15% من مباني المدينة نتيجة هذا الانفجار، مما أدى إلى تشرد الآلاف من سكانها ووفاة ما بين 50 و150 شخصا.
الأمر الذي دفع المختصين إلى مراقبة الإشارات الأولية التي تنبئ بحدوث انفجار مماثل، ومحاولة دفع الأذى عن السكان القاطنين بالمناطق المحيطة بالبركان حيث إنه يمثل تهديدا واضحا لهم.