هل البكاء من علامات استجابة الدعاء

البكاء من علامات استجابة الدعاء بحسب ما قاله البعض وفق التجارب، رغم عدم وجود أدلة على هذا في النصوص الشرعية.

روى عالم التجويد والقراءة ابن الجزري في كتابه “عدة الحصن الحصين” بفصل علامة استجابة الدعاء منه: “علامة استجابة الدعاء (الخشية والبُكاء والقِشعريرة وربّما تحصُل الرّعدة والغِشي والغيـبة)، فيعقب هذا السكون في القلب وبرود الجَأش وظُهور النّشاط باطناً والخِفّة ظاهراً، حتى يعتقد الدّاعي أنّه كان على كتفـيه حملة ثقـيلة فوضعها عنه”، وقد أكد الشوكاني بمؤلفه تحفة الذاكرين أن هذه العلامات تجريبية لا حاجة للاستدلال عليها.

قد يعجل الله للداعي تلبية ما طلب أو يمنعه لحكمة لا يعلمها إلا هو، وعلى العبد تحريها مما قدر الله له دون أن يتطلع للحكمة فيما قدره الله لأن القدر سر الله، والدعاء أفضل عبادة يتقرب بها العبد لله وأنفع أسبابها خاصةً أن الله وعد عباده بالاستجابة.

بشارات استجابة الدعاء

إنّ أمر استجابة الدّعاء يقترن بحكمة الله ربانية في القبول وفي تحيين الاستجابة وتحديد قدرها.

أعظم البشائر التي تفيد باستجابة الدعاء هي اليقين بحكمة الله وصدق كلامه عن الاستجابة، فقال تعالى في محكم التنزيل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}، ومن ألح في الدعاء إلى الله وحمده وشكره وأثنى عليه على كل حال وتحرى خير أوقات الاستجابة سيستجيب له الله.

إنّ علامات إجابة الدعاء لا تقتصر على تحقق مطلوب طلب العبد تحقيقه، لأن الله تعالى سيختار له خير ما ينفعه، وهو ما يؤكده أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ في مسنده، بأنّ الرسول الأكرم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ”، فالله أعلم بمصالح عباده وهو أرحم بهم من أنفسهم.

علامات استجابة الدعاء ابن باز

لم يأتِ ابن باز على ذكر أية علامات تؤكد استجابة الخالق للدعاء أو تنفيها.

قال ابن باز: من يرغب بأن يكون دعاؤه مستجاباً فلا بد من حرصه على الإخلاص بالدعاء للباري والخشوع وجعل الفؤاد والجوارح بين يديه، والابتعاد عن أكل الحرام وتجنب المعاصي كأسباب للإجابة، فمن يجتهد في تحري الحلال بمأكله وملبسه ومطعمه، متجافياً مع ما حرم الله كتب الله لدعائه الاستجابة.

أما بالنسبة للأوقات المستحبة للدعاء فأخيرها في جوف الليل وآخر الليل والثلث الأخير منه، والإكثار من الدعاء ما بين الأذان وإقامة الصلاة وعند السجود، فكل ما قيل مستحب كونه وقت استجابة، والأفضل أن يكون على طهارة وفي استقبال الكعبة مع التهيؤ برفع اليدين والخشوع لله وجعل القلب مع الله.

أما من لطخته المعاصي وارتكاب المحرمات وما نهى عنه الله ورسوله فلديه أسباب الحرمان من الإجابة، وفق ما ورد عن رسولنا الكريم ﷺ فصحّ عنه قول: “يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقالَ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك”.

هل البكاء من علامات استجابة الدعاء

علامات استجابة الدعاء ابن عثيمين

إسوةً بغالبية علماء الدّين لم يحدد ابن عثيمين أي علامة لاستجابة الدعاء ما لم يرد فيها نصاً شرعياً بالقرآن والسنة.

لكنه تطرق إلى الأسباب التي تحتمها فقال: أبرز أسباب إجابة الدعاء هي الإخلاص لله تعالى عملاً بأمره الإلهي عندما قال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، أي أنّ الله سيستجيب لدعاء من اشتد إخلاصه ولو كان كافراً، عملاً بالآية الكريمة: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.

يجب ألا يكون دعاء العبد بصيغة التجربة مع الله، كأن يضمر النية في قلبه بمعنى “سأرى هل يستجيب الله الدعاء أم لا”، بل يجب اليقين بالإجابة فلا يكون لبلوغها مانع بسبب العبد، كما يجب عدم المغالاة بالدعاء فيسأل ما تستحيل استجابته، ويحبذ فيه علامات العبودية للخالق ك التوسل ورفع اليدين وتحين الاوقات للاستجابة.

حكم البكاء عند الدعاء

من غلب عليه حاله فظهر صوته وبكائه خلال الدعاء فلا حرج بذلك.

إذا أفضى الخشوع ورقة القلب في الصلاة أو الدعاء إلى البكاء؛ فذلك نعمة من نعم الله على العبد ولا حرج به ما إن فعله بلا تكلفٍ وإنما مغلوباً على أمره، وقد حدثنا البخاري رضي الله عنه في باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ في الصَّلاَةِ قائلاً: “وقال عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ}.

إنّ الأفضل بالدعاء خفض الصوت فيه، فالله تعالى أثنى على نبيه زكريا -عليه السلام- بقوله الكريم: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}، لكن الحال قد يغلب على العبد فيجهش بالبكاء ويعلو صوته فيه فلا حرج بذلك.

يقول ابن تيمية شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ السَّمَاعِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْ وَجَلِ الْقَلْبِ وَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَاقْشِعْرَارِ الْجُسُومِ، فَهَذَا أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ والسنة”، لكنّ الأصل أن يكون الدعاء تضرعاً وبصوت خافت وإذ صاحبه البكاء فيكون نشيجاً بين العبد وربه.

طرق لاستجابة الدعاء سريعا

  • الثّقة بوعد الله بالاستجابة.
  • تقوى الله بالدعاء.
  • العلم بأسباب الاستجابة.
  • الحذر من المطالبة من تعجيل الاستجابة.
  • الإكثار مما يقرب إلى الله.
  • الدعاء باسم الله الأعظم.
  • الإكثار من الدعاء بالرخاء.

قد يتساءل البعض علامات الاستجابة فهل البكاء الخوف أو هل الضيق من علامات استجابة الدعاء من الله تعلى؟ وذلك يبحثون عن أفضل أوقات وطرق الاستجابة، وفيما يلي نبن الطرق المثالية التي تضمن بها الاستجابة بمشيئة الله، وهي:

الثّقة بوعد الله بالاستجابة: أي إحسان الظن بالله تعالى عملاً بما أوصانا سيد البرية عندما قال صلى الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه”.

تقوى الله بالدعاء: فلا يقدم على الدعاء بقطيعة الأرحام أو بالإثم والعدوان، فقال الحبيب – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم”.

العلم بأسباب الاستجابة: وهي توخي الحلال وتجنب الحرام.

الحذر من المطالبة من تعجيل الاستجابة: فلا يلتمس أحد استجابة الدعاء أو يتعجله كأنه لزامًا على الله لأن كلام الله بسورة الأنبياء يدل على ما يلي: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

الإكثار مما يقرب إلى الله: وهي النوافل بعد أداء الفرائض، فقال الرسول الأعظم: “إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأُعيذنه”.

الدعاء باسم الله الأعظم: سمع رسول الله رجلاً يناجي الله: “اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد” فقال: “والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى”.

الإكثار من الدعاء بالرخاء: قال الهادي رسول الله الأكرم: “من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء”.

شاهد الزوار أيضاً: