قصة قتل أم قرفة والتمثيل بجثتها،حقيقة قصة قتل أم قرفة الفزارية

أم قرفةالفزارية ، هي : فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، وقد اشتهرت قصتها عند أعداء الإسلام ؛ وأصبحوا يطعنون بها في الإسلام ، ويتهمونه بالعنف والقسوة .
وروايات هذه القصة والتي فيها قتلها والتمثيل بها ؛ لا تصح سندًا ، فضلاً عن كونها منكرة المتن ، ومن ذلك :

أولا:

ما أخرجه الطبري في “تاريخ الرسل والملوك” (2/ 643) بإسناده فقال :
” حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى ، فَلَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ ، فَأُصِيبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَارْتَثَّ زَيْدٌ مِنَ بَيْنِ الْقَتْلَى ، وَأُصِيبَ فيها ورد ابن عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ بَنِي هُذَيْمٍ ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ زَيْدٌ نَذَرَ الا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ فَزَارَةَ ، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحِهِ ، بَعَثَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشٍ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ ، فَلَقِيَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى ، فَأَصَابَ فِيهِمْ ، وَقَتَلَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحِّرِ الْيَعْمُرِيُّ مَسْعدَةَ بْنَ حِكْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ ، وَأَسَرَ أُمَّ قِرْفَةَ – وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، عَجُوزًا كَبِيرَةً- وَبِنْتًا لَهَا ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ قِرْفَةَ ، فَقَتَلَهَا قَتْلا عَنِيفًا ، رَبَطَ بِرِجْلَيْهَا حَبْلَيْنِ ثُمَّ رَبَطَهُمَا إِلَى بَعِيرَيْنِ حَتَّى شَقَّاهَا ” انتهى.

والحديث لا يصح من جهة الإسناد ، وهو منكر من جهة المتن .
فأما إسناده فمنقطع ورواته ضعفاء .
فهو من رواية عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى ، وهو من طبقة صغار التابعين ، فكيف يروي القصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
كما أن في الإسناد : محمد بن إسحاق ، وهو مدلس ، وله غرائب في سعة ما روى تستنكر ، واختلف فى الاحتجاج به .
قال العراقي في “المدلسين” (ص: 81) : ” ممن أكثر من التدليس ، خصوصًا عن الضعفاء ” انتهى.

وقد رواه عن ابن إسحاق : سلمة بن الفضل الرازي ، وهو ضعيف . وينظر : “تهذيب التهذيب” (4 /154).
ورواه عن سلمة : محمد بن حميد الرازي ، وهو متروك . وينظر : “تهذيب التهذيب” (9 /131).
وقد قال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (4 /406) في هذا الحديث : ” منكر “.

وأما متنه: فمنكر مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن التمثيل بجثة المقتول ، والأحاديث التي جاءت بالنهي عن قتل النساء والأطفال في الحرب .
فعن عَدِيّ بْن ثَابِتٍ قَالَ : ” سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ” أَنَّهُ نَهَى عَنِ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ‏ “رواه البخاري ( 5516 ) .

وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ‏ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا … رواه مسلم ( 1731 ) .
وروى أبو داود (2295) عَنْ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ : ” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ، فَجَاءَ فَقَالَ عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ ، فَقَالَ : مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ . قَالَ : وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا ” صححه الألباني في “صحيح أبي داود” .

ثانيًا:

ما جاء في “السنن الكبرى” للبيهقي (17/ 126)، و”سنن الدارقطني” (4/ 119) وغيرهما أن من قتلها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ؛ لأنها كفرت بعد إسلامها ولم تتب .
فرويا عن سعيدِ بنِ عبدِ العَزيزِ التَنوخِىِّ : ” أن امرأةً يقال لها : أُمُّ قِرفَةَ . كَفَرَت بعدَ إسلامِها ، فاستَتابَها أبو بكرٍ الصَّدّيقُ – رضي الله عنه -، فلَم تَتُبْ ، فقَتَلَها ” .
إلا أن هذا إسناد منقطع ؛ لأن سعيد بن عبد العزيز لم يدرك أبا بكر رضي الله تعالى عنه .
ولذا ضعفه الشافعي والبيهقي وغيرهما :
قال الشّافِعِيُّ : ” فما كان لَنا أن نَحتَجَّ به إذْ كان ضَعيفًا عِندَ أهلِ العِلمِ بالحَديثِ ” انتهى.

وقال البيهقي : ” ضَعْفُه فى انقِطاعِه ، وقَد رُوِّيناه مِن وجهَينِ مُرسَلَينِ ” انتهى.
وقال الزيلعي في “نصب الراية” (3/ 459) : ” إنَّ سَعِيدًا هَذَا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا ” انتهى.

وأخرج البيهقي في “السنن الكبرى” (16955) من طريق سعيد بن مَنصورٍ ، حدثنا خالِدُ بنُ يَزيدَ بنِ أبى مالكٍ الدَّمَشقِيُّ ، حَدَّثَنِى أبى ، أن أبا بكرٍ الصِّدّيقَ -رضي الله عنه- قَتَلَ امرأةً يُقالُ لها : أُمُّ قِرفَةَ . فى الرِّدَّةِ .
وهذا إسناد ضعيف ، ففيه : خالد بن يزيد الدمشقي ، ضعيف ، وقيل : متروك .
وينظر : “تهذيب التهذيب” (3 /127).

وأبوه : يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي ، لم يدرك أبا بكر رضي الله تعالى عنه ، فالإسناد منقطع أيضًا .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ” وأسانيد هذه القصة منقطعة ” انتهى، من “جامع العلوم والحكم” (1/439).
والحاصل : أن أسانيد هذه القصة كلها ضعيفة لا تصح ، وما ذكر من التمثيل بها وشقها نصفين : ففيه نكارة ظاهرة ؛ فلا يجوز نشر هذه القصة إلا من باب التحذير منها .
والله أعلم.

((الاسلام سؤال وجواب))

قصة قتل أم قرفة والتمثيل بجثتها،حقيقة قصة قتل أم قرفة الفزارية 3dlat.com_04_21_b9ed

السؤال

عندنا رجل نصراني يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل امرأة يقال لها أمقرفة بربط رجليها كل واحدة في حصان ثم زجرالحصانين فشقاها نصفين، فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل يصح القتل بهذه الطريقة؟.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي أن تعلم أولا أنه يجب على المرء أن يبتعد عن الشبه ـ سيما ـ إذا لم تكن لديه حصانة علمية كافية لردها ودحضها, فقد تقع موقعها في نفسه وتتمكن منه فلا يستطيع ردها, فتشككه في دينه وقد تصده عنه وهي من التفاهة والسقوط بمكان لوعرضت على أهل العلم وأولي الأمر، كما قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَإِلَّا قَلِيلًا {النساء: 83 }.

وأولئك القوم إنما يتتبعون من الأخبار والآثار ما كان كذلك, وقد يكون واهيا ضعيفا ولا يلتفتون إلى الأصول والقواعد المقررة والأخبار الصحيحة الصريحة ولاغرو.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم.

وقصة أم قرفة: فاطمة بنت ربيعة بن زيد ـ التي يدندن حولها ذلك الكافر لم يكن القاتل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قتلها زيد بن حارثة ولم يكن قتلها بالطريقة التي ذكرها، وقصتها كما في كنز العمال لعلاء الدين: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت أتانا زيد بن حارثة ـ تقصد من غزوة أمقرفة ـ فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فقبل وجهه, قالت عائشة: وكانت أمقرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فقتلهم وقتل أمقرفة وأرسل بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصبه بالمدينة بين رمحين.

وفي الدلائل لأبي نعيم أن زيد بن حارثة قتلأمقرفة في سريته إلى بني فزارة.
وذكر ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية رواية أخرى وضعفها قال: وعن عائشة ارتدت امرأة يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت. أخرجه الدار قطني وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري وهو كذاب.
وقال في فتح الباري: والغزوة السابعة ـ غزوة زيد بن حارثة ـ إلى ناس من بني فزارة, وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه, فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أمقرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي: فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدرعم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم.

. قال السرخسي في المبسوط: والمرتدة التي قتلت كانت مقاتلة، فإن أم مروان كانت تقاتل وتحرض على القتال وكانت مطاعة فيهم, وأم قرفة كان لها ثلاثون ابنا وكانت تحرضهم على قتال المسلمين، ففي قتلها كسر شوكتهم.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وكانت أمقرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها وأرسل بدرعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنصبه بالمدينة بين رمحين. رواه المحامي عن عبد الله بن شبيب عنه, وروى عنه الترمذي عن البخاري عن إبراهيم هذا وحسنه .

وفي روايات أخرى ضعيفة: أن زيد بن حارثة مثل بها عند قتلها, فيقال: ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت، ويذكر ذلك عن أبي بكر، ويذكرعن خالد, وهو يدل على اضطراب القصة وضعفها وعدم ثبوت ذلك, بل الصحيح هو قتلها فحسب وكانت مقاتلة, والمرأة إذا قاتلت تقتل.
قال السرخسي في المبسوط: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل.

ففي هذا بيان أن استحقاق القتل بعلة القتال, فمتى قاتلت المرأة أو كانت تحرض وتعين المقاتلين فإنها تقتل، قال ابن عبد البر في الاستذكار: وقد كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه أن تقتل المقاتلة وتسبى الذراري والعيال، والآثار بذلك متواترة وهو أمر مجتمع عليه إلا أن تقاتل المرأة وتأتي ما يوجب القتل.

وعلى فرض صحة الرواية عن أبي بكر وأنه مثل بالمرتدة فهو سياسة منه للتأديب.
قال السرخسي: ويحتمل أنه كان ذلك من الصديق ـ رضي الله عنه ـ بطريق المصلحة والسياسة، كما أمر بقطع يد النساء اللاتي ضربن الدف لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الشماتة.

وإن كانت رواية المثلة بعيدة جدا لنهي الإسلام عن المثلة، كما عند البخاري وغيره من حديث عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النهبة والمثلة.
وعند أحمد من حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قالا: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.

فالمثلة منهي عنها فيبعد أن يفعلها أبوبكر ـ رضي الله عنه ـ أو غيره من الصحابة إلا إذا جاء الدليل صحيحا صريحا بذلك, فيجاب عنه بما ذكر السرخسي آنفا, ولم نقف على خبر صحيح يقتضي ذلك فيما اطلعنا عليه, وأما روايات السير وقصص التاريخ فلا يثبت بها حكم ـ سيما ـ إن خالفت أصول الشريعة وقواعدها, ومن تلك الأصول والقواعد ما جاء في الصحيح من حديث شداد بن أوس قال: اثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح, وليحد أحدكم شفرته, وليرح ذبيحته. رواه مسلم.

  • ((اسلام ويب))