في الآونة الأخيرة تم إجراء الكثير من الدراسات والأبحاث حول ما يكمن من سر وراء الانطلاقة التي تمكنت اليابان من تحقيقها والتي قد حدثت تدريجياً من الصفر إلى أن أصبحت واحدة من أكثر الدول حول العالم تقدم من الناحية التكنولوجية والاقتصادية بل ويمكن القول أنها قد تفوقت على العديد من الدول العظمى، وما جعل الخبراء والباحثون يندهشون أن ذلك قد حدث عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أصابت اليابان بالتدمير التام وما كان على الدول سوى أن تنهض بشعبها من حالة الدمار تلك لكي تنقذ البلاد.

تمكنت اليابان من تحقيق إنجازات غير مسبوقة مما جعلها تصبح بمثابة نموذج للعمل الجاد والاجتهاد نحو تحقيق النجاح، وفيما يتعلق بموقعها فإن اليابان تقع ما بين بحر اليابان والمحيط الهادي تحديداً بشبه الجزيرة الكورية، تبلغ من المساحة ما يقرب من ثلاثمائة ألف وثمانون كيلومتراً، عاصمتها طوكيو، أما نظام الحكم بها فهو الإمبراطوري ومن حيث الديانات التي يتبعها أهلها فهناك ديانتين هما السائدتين في اليابان وهما الشنتو والبوذية.

مظاهر تقدم دولة اليابان

أحياناً ما تكون دولة ما متطورة في أحد المجالات أو أكثر من مجال أما اليابان فيمكن القول أنها قد تمكنت من تحقيق التقدم الهائل في المجالات جميعها منها الصناعي والتكنولوجي مما جعلها منافس قوي للدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية بالمجالات المالية والاقتصادية وقد ارتفعت بشأن شعبها عالياً، لتصبح بذلك أكثر دولة شرقية آسيوية تقدماً والوحيدة القادرة على منافسة الدول الأوروبية بذلك الحد، إلى جانب ذلك وعلى الرغم مة هذا التطور لم ينسى شعب اليابان تاريخه وتراثه جنباً إلى جنب مع ما لحقت به من انفتاح على العالم الحديث وكل ما يميزه من ثورة معلوماتية وتكنولوجية واسعة.

التقدم الصناعي

تعتمد الصناعة في اليابان على الصناعات الثقيلة وبشكل خاص صناعة الكيماويات وكذلك الصلب مما جعل مؤسساتها تتركز بالسواحل الشرقية منها، كما يوجد بها صناعات خفيفة مثل الصناعات الميكانيكية الدقيقة المتركزة كذلك بسواحلها الشرقية، وقد كانت اليابان هي المصدر الأول لإنتاج السيارات والدراجات النارية والسفن ومنها تم تصديرها إلى العالم.

تعتمد اليابان كذلك في اقتصادها على صناعة آلات التصوير والروبوتيك، الساعات، الآلات السمعية والبصرية وما يميز صناعاتها أنها تتركز على الأقطاب الصناعية من الداخل مثل (قطب كانتو يليه، قطب كابكين، قطب شمال كيوشو)، فضلًا عن ما تتضمنه من مراكز للبحث التكنولوجي ومعامل الإنتاج بما ساعدها على مواكبة التقدم السريع ومواجهة المنافسة الأجنبية.

وبذلك أصبحت تحتل من الناحية الاقتصادية المرتبة الثانية ما بين الدول الأكثر تقدماً حول العالم حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي الذي تحققه خمسة تريليون دولار تقريباً وفقاً لما أفاد به صندوق النقد الدولي، والسبب في ذلك يعود إلى التقدم الصناعي والتكنولوجي فهي كذلك واحدة من أكثر الدول المتقدمة في المجال التكنولوجي.

تقدم البُنى التحتية

يوجد داخل اليابان الكثير من الجزر البعيدة عن بعضها مما دفع دولة اليابان إلى الحرص على تجهيز بنيتها التحتية لكي تتمكن من مواكبة التطور الاقتصادي التي تعكف على تحقيقه فقامت بإنشاء المطارات، والموانئ والجسور عن طريق استغلال المساحات الشاسعة من البحر ومن أمثلة ما قامت بإنشائه مطار ناكازاكي، إلى جانب احتوائها على الكثير من وسائل المواصلات حيث جهزت الطرق الخاصة بسير السيارات بأحدث الوسائل التكنولوجية، خطوط القطارات السريعة، القناطر، خطوط السكك الحديدية، الأسطول البحري كما قامت بإنشاء الجسور بتقنيات مضادة للزلازل.

ثقافة اليابان

الشعب الياباني معروف عنه الاجتهاد والإخلاص بالعمل خاصة عقب ما أصابه من قنابل قد سقطت بهيروشيما، كما يعد من الشعوب اللبقة بالتعامل والمنظمة مع من حولها، إلى جانب ذلك فهو شعب على قدر عالٍ من الثقافة شغوف بالقراءة والاطلاع فقد اعتبروا التعليم هو سلاحهم الأقوى كما عكفوا على الانخراط مع غيرهم من الشعوب لاكتساب الخبرات منهم.

وقد تأثرت الثقافة اليابانية كثيراً بالثقافة الصينية ومن قدم إليها مما يحيط بها من الجزر وقارة آسيا مما جعلها تمثل ثقافة متنوعة شاملة خصبة من مزيج من الثقافات التي اختلطت بها وتغلغلت فيها، وتبدو الثقافة اليابانية فيما تميزت به من فنون حيث يعود مسرح الكابوكي إلى ما قبل أربعمائة عام حيث يقدم الثقافة العلمانية الكلاسيكية في إطار درامي موسيقي.

كذلك يوجد باليابان مسرح للدمى المصنوعة من الخزف والأخشاب يعرف بالبونراكو يقومون الفنانون بتحريكها بحرفية عالية لتجسيد الرواية المصحوبة بموسيقى الشامسين، أما فن الإيكيبانا فيقصد به فن تنسيق الأزهار والورود المعتمد على تشكيل عالم يتناغم ما بين الأرض والإنسان والجنة، كما تعد مراسم الشاي من أشهر التقاليد المعروفة بالتشانويو لدى الطبقة الحاكمة (الساموري)، كما يميزهم الملابس التي مازالوا محافظين على ارتدائها بالمناسبات العالمية والمحلية والاجتماعية والمعروف بالكيمونو وهو الخاص بالنساء، أما الرجال فيرتدون الهاكاما.

أسباب تطور اليابان

هناك العديد من العوامل هي ما أدت إلى بلوغ اليابان ذلك المبلغ من التقدم والازدهار نعرضها بشكل تفصيلي فيما يلي:

البداية من نقطة الصفر

أثر الدمار الذي أصاب اليابان في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها على الناحية الاقتصادية بها بشكل كبير وهو ما دفعها إلى البدء في إنشاء جميع منشآته من جديد ، وهو ما جعلها قادرة على استبدال التقنيات القديمة في التأسيس والبناء بأخرى حديثة إلى جانب ما اعتمدت عليه من أساليب إدارية أتاحت الفرصة أمام شركاتها لكي تطور من ذاتها ولذلك بدت التغيرات الدولية والبيئية واضحة ، والتي يسرت الأعمال التجارية الحرة وساهمت في تقليل الاحتياج إلى التكنولوجيا المكلفة والمواد الخام باهظة الثمن.

انتهاء الحرب نقطة التحول الياباني

يمكن القول أن انتهاء الحرب العالمية الثانية يمثل نقطة الانطلاق باليابان حيث إن الطموح الياباني قد صار كبيراً ورغبوا في مجاراة التطور بالعالم الغربي الأوروبي ، مما جعلها تعكف على تغير المنشآت الحربية واستخدام الوسائل التكنولوجية بها لكي تتحول إلى اقتصاد سلمي يركز على الصناعة والاقتصاد فقامت بتحويل مصنع الرشاشات إلى مصنع آلات الخياطة، ومصنع الأسلحة البصرية إلى مصنع ينتج المناظير والكاميرات.

انتشار التكنولوجيا الحديثة

كان التعاون ما بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية شاملاً المجالات التكنولوجية والعلمية وقد امتد لأكثر من مائة عام مما ساعد على استفادة اليابان بالخبرات التكنولوجية لأمريكا ، حيث شملت تلك العلاقات تبادل البضائع التجارية، والصناعات والثقافات المختلفة، بالإضافة إلى ما امتدت إليه تلك المعاملات من جامعات ومنشآت حكومية.

ولكن من المعوقات التي أحياناً ما تقف حائلاً أمام اليابان في تحقيق التقدم التكنولوجي التي دوماً ما تسعى إليه النقص الكبير في مصادر الطاقة، والنقص في بعض التخصصات المتعلقة بالتكنولوجيا المستقبلية مثل برامج الاتصال والمعلومات، وكذلك مجالات الفضاء.

الفائض بالمدخرات

تعد معدلات الادخار في اليابان مرتفعة إلى حد كبير في مقابل الاستهلاك المنخفض بما ساهم في تنمية اقتصادها وانعاشه حيث تم استخدام ذلك الفائض بتميل القروض المصرفية، إلى جانب توفير ما يلزم من رأس مال لدعم البنى التحتية والارتقاء بالصناعات على الصعيد العالمي.

المساواة

يعمل النظام الهرمي الطبقي في وضع العراقيل أمام التطور والإصلاح ولذلك قام الوطنيون من القادة اليابانيون بإلغائه تماماً، فضلاً عن رفع راية المساواة بين الجميع، كما ساهمت الحكومة في الحث على الالتحاق بالمدارس الابتدائية وأداء الخدمة العسكرية لبث مشاعر الانتماء والعدالة والهوية المشتركة بين البيئات والمناطق المختلفة في اليابان.