ربما كان أكثر سؤال يراود جميع أهالي الأطفال من ذوي أصحاب الهمم (الأطفال من ذوي الإعاقات الذهنية والجسدية)
ويلح عليهم هو:
كيف يمكننا أن نلي طموحات أبنائنا وأحلامهم وأن نزيد من فرص الدمج لديهم ليكونوا جزءاً من هذا المجتمع؟
دعوني أبدأ وأخبركم بأن هنالك نحو 93 مليون طفل في جميع أنحاء العالم لديهم إعاقات ذهنية وجسدية، وأنهم بحاجة إلى تعليم جيد لتطوير مهاراتهم وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.
لكن لإنجاح عملية إشراك هؤلاء الأطفال في المدارس، يجب أن نضع خطة مدروسة تعطينا نتائج مضمونة ومتميزة
في إتمام مهمة تغير المجتمع من مجتمع يكثر فيه التنمر بدرجات عالية إلى مجتمع متقبل ودامج.
أكدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وبعد العديد من الدراسات أن الطفل يستطيع التعلم عن الاختلافات في سن مبكر جداً،
حيث يبدأ دماغ الطفل من عمر الستة أشهر بالانتباه للاختلافات ولألوان البشرة وتحديدها، وبالانتقال إلى عمر الأربع سنوات يمكن للطفل
أن يبدأ باستيعاب المعنى الحقيقي للتحيز العنصري والاختلافات التي يعيشها وتحدث أمامه.
ومن بعد عمر ال 12 سنة يصبح الطفل متمسكاً بالمعتقدات الجيدة والإيجابية عن معنى الاختلاف والتنوع في المجتمع بحيث يقلل هذا الشيء من التحيز العنصري والثقافي.
وكل ما ينفع في تطوير شخصياتهم في المجتمع بشكل يجعلهم أفراداً متميزين وخلوقين ومتقبلين، وذلك بتعليمهم التعاطف مع الآخرين وتقبل اختلافهم في كل مكان،
وتعليم الأطفال هذه المشاعر يبدأ دائماً في البيت وفي عمر صغير.
كيف نعلم أطفالنا التعاطف في المنزل؟
هنالك خطوات بسيطة تساعدنا على محو الأمية العاطفية والتي تبدأ من خلال استخدام استراتيجية اللعب.
يعتبر العلاج باللعب ضروري جداَ لتطوير القدرة الإدراكية، والحسية، والجسدية، والاجتماعية والأهم العاطفية،
ولأن اللعب كعائلة يمنح الكثير من روابط التواصل والحب التي تقوي علاقة أعضاء الأسرة ببعضهم البعض.
لقد أثبت هذا الشيء من خلال الدراسات الكثيرة التي أكدت وجود صلة بين التربية والتعاطف عند الأطفال.
فالتعاطف ليس مجرد فكرة، بل هو متجذر في ظواهر فيزيائية ملموسة وقابل للقياس، وهو جزء من طبيعة الإنسان.
اشتروا الدمى وعلموا أطفالكم التعاطف من خلاها
وبما أن بعضاً من مفاهيم التعاطف معقدة لدى بعض الأطفال ويصعب على الأعمار دون الأربع إلى خمس سنوات استيعابها أو تبنيها كوجهات نظر،
فقد لا يطور الأطفال هذه المهارات حتى يبلغوا سن الرابعة أو الخامسة، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع البدء في عمر أصغر،
فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 أشهر وسنتين يمكن البدء بتعليمهم التعاطف من خلال شراء دمى مختلفة في لون البشرة،
والتحدث عنها على أنها جميلة ومتميزة بالرغم من اختلافاتها كاللون، والشعر، والشكل، وطريقة اللباس، والاختلافات الجسدية (طويل، قصير، نحيف إلخ…).
استخدموا القصص في عمر أكبر
وبالانتقال إلى عمر الأربع سنوات فما فوق نبدأ بشراء القصص التي تتحدث عن الأطفال من البشرة المختلفة
أو الأطفال الذين لديهم إعاقات جسدية وذهنية، ومن هنا نبدأ بتمهيد طريق التقبل عندما نتحدث عن جميع أبطال القصة وما المغزى من وجود أشخاص مختلفين وبماذا يتميزون.
بهذه الطريقة نعلم أطفالنا أن هنالك أشخاصاً مميزين باختلافهم وإعاقتهم الذهنية والجسدية، وأن لديهم معتقدات واهتمامات ورغبات تماماً كغيرهم،
وأنهم لا بد سيضيفون شيئاً مميزاً ومدهشاً إلى هذا العالم.
قراءة القصص تعزز لدى الأطفال مشاعر التعاطف تجاه شخصيات القصة،
وبالتالي فإن الطفل يتعلم رؤية العالم من زوايا مختلفة وبأعين أشخاص آخرين مختلفين عنه.
كما أن بعض البرامج التلفزيونية التي يشاهدها الأطفال
يمكن أن يكون لها تأثير على الأطفال في هذا الأمر كما القصص، وذلك عن طريق إيصال رسائل الدمج للأطفال بأسلوب مسل وممتع،
فبعد مشاهدة فيلم هادف نستطيع أن نستغل الفرصة للتحدث وتبادل الآراء والأفكار مع الأطفال عن الدمج والتنمر،
وأن نفسر لهم أنه عندما يتم استبعاد طفل بسبب اختلافاته فهذا يعني أننا نمارس التنمر عليه، وهذا الاستبعاد يعرف بالتنمر الاجتماعي.
علموا أطفالكم أهمية قراءة مشاعر الآخرين
بعد أن نقرأ لأطفالنا القصص ونشاهد معهم البرامج التعليمية والثقافية التي تعزز من التعاطف لديهم،
يأتي التظاهر باللعب كأهم وسيلة لتحقيق الدمج، من خلال تعليم أطفالنا عن كيفية التعرف إلى المشاعر.
فعندما نجسد مع أطفالنا أحد الشخصيات في القصص التي قرأناها أو برامج الرسوم المتحركة،
نكون قد ساهمنا بمساعدة الأطفال من الدخول في الشخصية بحيث يستطيعون تحديد مشاعرها، وبالتالي التعاطف معها،
وهذا مبني على دراسة (Schulte-Rüther et al 2007)، فعندما نلاحظ الإشارات العاطفية للآخرين فإننا نقوم بتجنيد
مناطق الدماغ المرتبطة بنظرية العقل (Mind theory) التي هي آلية إدراك الإنسان لذاته وقدراته مع تكوين تصورات معينة عن الآخرين.
الأطفال من ذوي أصحاب الهمم أو الأطفال الذين لديهم صعوبات تعليمية أو إدراكية أو حركية أو غيرها،
هم الأكثر عرضة للتوقف عن الدراسة لكونهم يواجهون حواجز مستمرة ناجمة عن التنمر وقلة الجهود المبذولة من أجل دمجهم بأسرع وقت ممكن،
سواءً في المجتمع أو في المدرسة. لذلك فإن مساهمتنا كأهل في تربية أطفالنا على التعاطف والتقبل من عمر صغير
يمكن أن تصنع فارقاً كبيراً من أجل خلق مجتمع يتسع لجميع أفراده مهما كانت اختلافاتهم وتحدياتهم.