“حب لأخيك ما تحبه لنفسك” كانت أولى الدروس الأساسية التي علمها لنا معلم البشرية وخاتم المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وكانت أحد أبرز حب الخير للآخرين على اختلاف صوره، هو الإيثار، تلك القيمة الأخلاقية التي لا يتمتع إلا كل من سعى لإرضاء الله عز وجل، واتخذ سبيل الوصول لذلك في نشر الحب بين الجميع.
مقدمة تعبير مدرسي عن الإيثار
ما هو الإيثار؟ وكيف يكون الفرد مؤثراً للآخرين عن نفسه؟ وهل هناك من يستحق الإيثار ومن لا يستحق؟ وكيف يكون الدعاء بالإيثار؟
تعريف الإيثار
يُعرف الإيثار بأنه تقديم أن يحظى أحدهم بالخير عن حصولك عليه، أو تفضيل حب الخير للناس عنك. وفي هذا الأمر تخلي واضح أن أي اعتبارات لها علاقة بالأنانية، أو حسابات المصلحة الشخصية، أو حتى قرب الآخرين أو ابتعادهم عن دائرة معارفك. إنه شعور طيب، لا يقدر على الالتزام به إلا انسان قوي وسليم نفسياً ومعنوياً وخُلقيا، والأهم بالطبع دينياً.
وهناك فرق لغوي مميز بين الإيثار والأثرة؛ فالأثرة هي عكس الإيثار أي تفضيل النفس، وحبها بشكل أكبر من حب الآخرين؛ فالإيثار خلق كريم، ويتميز صاحبه كذلك بالمروءة والشهامة، أما الأثرة فستجد صاحبها دائماً ما يسعى بشكل أناني بحت لتحقيق الاستفادة وحده دون الآخرين.
كيفية التعامل مع الآخرين بإيثار
تتجسد أكثر صور التعامل بإيثار في أن تفضل الخير للآخرين عن حصولك عليه؛ خاصة إذا كنت تستطيع التعامل مع الأمر، أو أنك أردت أن يشعروا بالسعادة في هذا الوقت بالذات، أو أنك أردت أن تثبت لهم كيف أن صداقتكم قوية، أو أنك أردت بذلك سد حاجة شديدة عندهم.
إن مفهوم الإيثار عام وشامل لكل ما يوُصف بحب الخير للجميع، ولكنه يعتبر في هذا النطاق بالذات أعلى درجات هذا الحب، وأكثرها رُقياً.
ولأن هذا الشعور يبدو خالصاً بهذا الشكل، فهو خاص إما بأشخاص لا زالوا يحمون طيبتهم، وصفو نواياهم تجاه الآخرين، أو أن يتمتع به الأقوياء الذين يسعون لخوض غمار هذه الحياة وتخطي الأزمات بقلب سليم.
وبناءاً عليه، فإن تبنيك لخلق الايثار يعتمد على أحد الأمرين؛ إذ أن الخلق النبيل لا يُمكن أن يحظى بأكثر من أساس؛ في الوقت الذي يمكن أن يحظى فيه بأكثر من وجه، وأكثر من هيئة.
فقد يكون الانقاذ من المواقف الصعبة وقت وقوع المصائب الشديدة إيثاراً، والتخلي عن أمر بات انتظاره طويلاً من أجل الوقوف بجانب صديق لبعض الوقت فقط حتى يستطيع تجاوز أزمة ما إيثاراً، ويُمثل التعاون مع شخص ما لقضاء جاجة معينة كفرصة عمل، أو الانتهاء من أوراق رسمية وغير ذلك إيثاراً أيضاً.
فمجرد أن تهب شخصاً لديك جزءاً من وقتك للانصات إلى مشاكله، أو للتهوين عليه، أو حتى لمساعدته في إنجاز أو تجاوز أمر ما، عوضاً عن التفكير بمشاكلك، أو محاولتك لانجاز أمر ما، وطالما يُمكنك ذلك بشكل لا يؤثر سلبياً عليك فأنت تقدم أكثر صور الإيثار إحياءًا للصفة، وأكثرها احتياجاً في الوقت الحالي.
والأم حينما تهب لأبنائها الطعام وتدعي أنها بخير أو أنها قد اكتفت من تناول الطعام فيه صورة حية وبالغة للإيثار، وحينما يفعل الأب نفس الأمر أيضاً أو أنه يتخلى عن شرائه هو أو الأم ملابساً جديدة ليظل أبنائها ينعمون بكل ما هو جديد ويشعرون بالراحة فهذا أبلغ معاني الإيثار كذلك.
وفي حقيقة الأمر، لطالما كانت مشاعر الأمومة والأبوة هي أبلغ تجسيد حي للإيثار؛ فكلاهما يعتمد في الأًل على تقديم الأبناء عن أي شيء والزود عنهم من أي شيء.
أهمية الإيثار
في البداية، علينا أن ندرك جيداً مدى فناء الحياة التي نحياها، وأننا سنحياها لمرة واحدة فقط، وهذه المرة لابد وأن تتصف بالقوة والخلق الحسن بشكل عام، فمن يُعجب أو يُحب إنساناً ذو خلق سيء، أو سلوك غير قويم، أو ما إلى ذلك لابد له من التأكد من سلامة صحته الذهنية والنفسية أولاً.
وبشكل مباشر، فإن الإنسان إذا ما أراد لنفسه الخير، وأراد أن يعامل الله عز وجل قبل أي أحد، فسنجده يُفضل كل ما يحبه الله ورسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن حب ما يريده الجميع. والله ورسوله يحبان الإيثار لأنه مثال كلمة طيبة، والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت ورعها في السماء وتؤتي أكلها كل حين .
ومن جهة أخرى فما إن تحظى بالقدرة على الإيثار، وتساعد غيرك على فعل الأمر – وفي ذلك فليتنافس المتنافسون – ستساعد حتماً على نشر هذه القيمة الأخلاقية بين أبناء المجتمع، ليصبح مجتمعاً خيراً، وما من مجتمع خير لا يحظى بالوحدة والقوة.
تحرص المجتمعات المتقدمة على نشر الايثار كسلوك إنساني بين جميع الفئات المجتمعية، فتحرص على تبني التدريب عليه يف مراكز التأهيل السلوكية، وي المؤسسات التعليمية المختلفة، خاصة للأطفال، وكذا تدعم الدولة انتشاره بين أهالى الأحياء، وفي مختلف المناسبات الوطنية أو القومية التي يحتفل فيها الجميع.
نشير كذلك إلى تلك الجوائز التي تُمنح والتقديرات من الدولة أو رؤساء الجمعيات والأحياء لدعم السلوك القويم بمختلف صوره، خاصة وأن العلاقة بين الإيثار والخلق الإنساني “التضحية” علاقة وثيقة جداً.
الفرق بين الإيثار والتضحية
هناك تقارب قوي بين هاتين الصفتين التضحية والايثار؛ فما قدمهما إلا قوي، وما استطاع أن يتحلى بهاتين الصفتين إلا إنسان ذو قدرة على العطاء والعطاء يقضي بالإيثار ، ويتبني التضحية.
ولكن، إذا تمتعنا بهذه السلوكيات مع الجميع، هل سنحظى دائماً بالمردود الذي نتوقعه؟ إن الأمر لا يبدو مثالياً بشكل دائم، فالناس ليسوا سواسية وإن كانوا سواسية في الحساب أمام الله عز وجل وحده.
ولهذا تعين عن المؤمن حق الإيمان أن يكون كيساً فطناً، فلا يمنح التضحية ولا يتعامل بإيثار إلا مع من يستحق، وإن كان ولابد، فهناك الفئات المحتاجة والتي تفتقر إلى ذلك النوع من الاهتمام، فإذا منحتم من وقتك لتسأل عليهم، وتلبي احتياجاتهم، بشكل منتظم أو من حين لآخر فأنت تقدم واحدة من أبلغ معاني الإيثار أيضاً.
لقد ألزمنا ديننا الحنيف أن نمنح الصدقة،و الزكاة للمحتاجين وغيرهم من “أوسط” ما نتناول أو نُطعم أنفسنا، وهذا ما يتسق مع حديثه صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وكلنا أخوة في الإنسانية، ولا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
خاتمة تعبير مدرسي عن الإيثار
إن تنشئة أجيال تعلم معنى الايثار، وتتبناه في سلوكها، وتحظى بدعم الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات من شأنه أن يدعم كيانات كالأسرة، والفصل الدراسي، والمجموعات أو الجماعات التطوعية وخدمة المجتمع المدني، وكذلك سلوك الأطفال باعتبارهم شركاء في الوطن بالكثير والكثير.
نضيف أن الحرص على اتخاذ ما يلزم بدءاً من ردود الأفعال التي تنتصر لهذا السلوك الانساني، يعتبر من الأمور التي تحمي انتشار الإيثار، وجعله من أساسيات وحدة الأفراد، واستعدادهم في أي وقت لتلبية احتياجات الآخرين.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه”. وهذا ما علينا تذكره دائماً.