جاء القرآن الكريم ليعلم الإنسان ما لا يعلمه، فكان هو مرشدنا حتى نهتدي، بنوره إلى الطريق الصحيح،
فيعد علم الصّرف من أفضل علوم المعرفة، وهو متخصص بشكل كبير في أحوال بنيةِ الكلمةِ
ودلالتها الصرفية دون الإعراب والبناء، سواءً استخدم المصدر ودلالته الصريحة أو استخدمت مشتقات مختلفةٍ
لكلمات ذي معنى واضح ومفهوم، بحيث لا يتغير المعنى ولا المقصود من هذه الكلمة و لا يجوز إلا بها، كاسم الفاعلِ واسم المفعولِ.
فهنا ندرك قيمة الأصل للكلمة والفعل، واسمِ التفضيلِ، والتثنيةِ والجمعِ، في أصلهما جميعا
بالإضافة إلى طريقة الألفاظ العربية من حيثُ الصحَّة والإعلال، وطريقتهما في التحديد للمعنى
والأصالة والزيادة، وغيرها، ويختصُّ بالأسماءِ المتمكنةِ، لأنها الأكثر فعالية في المعنى والأفعالِ المتصرّفة،
وما جاء من تثنية بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، وجمعها وتصغيرها، فصُوَرِيّ لا حقيقي.
تعريف المصدر الصريح وعمله
علينا في البداية أن نعرف ما معنى المصدر الصريح، فيعد هو اسم معنى أو حدث غير مقترن بزمن محدد،
بمعنى مبسط هو عبارة عن اسم دال على حدث لا علاقة له بوقت محدد، بمعنى وقت غير محدد ولا معروف،
أمّا عمله، فهو يعمل عمل فعله في التعدي واللزوم، بمعنى عند الحاجة الضرورية، وجاء القرآن الكريم
واصفـًا معللًا ذلك بعدة أمثلة منها، قوله تعالى “بسم الله الرحمن الرحيم “يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ”،
ففهي هذه الآية فقد اتخذ رب العالمين مصدرًا صريحًا من الفعل “اتّخذ”، وهو فعل متعد ينصب مفعولا به وليس فاعل .
وبالتالي يعمل المصدر الصريح عمل فعله، فنصب المصدر اتِّخَاذِ كلمة الْعِجْلَ في قوله تعالى على أنها مفعول به.،
وتعددت تلك الأمثلة ففي قوله تعالى ” بسم الله الرحمن الرحيم”، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ”،
فكَيْدُ هنا عندما تم ذكرها تعد مصدر صريح من الفعل كاد وهو فعل لازم بمعنى وجوب التنفيذ، جاء فاعله مضافًا إليه،
وفي هذا السياق يمكننا ان نعدل عن المصدر الصريح إلى المصدر المؤول لدواعي نحوية في إعراب المصدر المؤول
والمصدر الصريح فهنا الفرق واضح وظاهر ، أو ودلالية تخص كليهما.
أبنية المصدر الصريح
المصدر الصريح وجد له عدة تفسيرات بأدلة فعند البحث عن أمثلة على المصدر الصريح من القرآن،
نجد بكثرة أبنية الثلاثي المجرد منه ونجد هذا في “فَعَل، وفُعْل، وفَعْلة، وفِعْلة، فِعْلان، وفَعَلان”
في الاضطراب، وفِعْلة، وفُعْلة في الألوان، وفُعول، فُعُولة، وفَاعُولة، وفِعَال، ومُفَاعَلة، يمكن هنا استخدام تلك الأفعال ،
ولكن فَعَال وفعيل في الأصوات التي تصدر من الإسان ، وفُعَال إن دل على عارض بمعنى المعارضة على شيء محدد ،
إلا أن الغالب من الفعل اللازم هو: فُعُول. وفي المتعدي، على فَعْل، وفِعَالة في الصنائع، وتجد منه المزيد بهمزة على وزن أفعل،
وأن يكون مصدرًا للفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف فعّل، والثلاثي المزيد بالألف على وزن فاعَل.
لم يكتف المصدر الصريح بذلك فقط فيذكر أنه يأتي من الفعل الخماسي تَفَعْلَل، وتَفَعَّل، وتَفَاعَل فيكون مصدر الفعل
منها على وزن الفعل نفسه بضم الحرف قبل الأخير، مشتركين سويا أمّا بالنسبة للفعل الذي يأتي على وزن انفعَل،
وافتعل، وافعلّ، فيأتي المصدر الصريح منها بكسر الحرف الثالث من الفعل، وزيادة ألف قبل الحرف الأخير،
وهنا يتم استخدامه بشكل كبير ومتكرر أما الفعل السداسي على وزن افْعَنُلَل، وافْعَلَلَّ، وافعوعل، وافعالّ، واستفعل،
فإن المصدر الصريح منها يأتي بكسر الحرف الثالث، وزيادة ألف قبل الحرف الأخير.
بالإضافة إلى أنه ليس بالضرورة
أن ترد أمثلة على المصدر الصريح من القرآن على كل تلك الأبنية، إذ أن علم الصرف جمع من القرآن الكريم، ولغة العرب،
منها ما كان سماعًا، ومنها ما كان قياسًا، وبعضها جمع من الشواهد الشعرية.
أمثلة على المصدر الصريح من القرآن
وردت الكثير من الأمثلة على المصدر الصريح في القرآن الكريم، وهذه الأمثلة هي خير دليل وشاهد وورود المصدر الصريح
في القرآن جاء من اللازم والمتعدي، والفعل المجرد والمزيد، لم تكن تلك الدلائل مجرد كلام مرسل بل هي بتفسيرها
كما يجد الباحثين وجود مصدر مؤول وهو تركيب لغوي مكوّن من حرف مصدري مثل: “أن، أنّ، لو، ما، كي”،
تتبعه جملة فعلية أو جملة اسمية، فنجد أيضا المصدر الصريح متواجد عندما قال الله تعالى ” بسم الله الرحمن الرحيم“،
” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ”، بمعنى خفض الصوت والسير بترك طيب الأثر ، فمَشْيِ
وصَوْتِ مصدران صريحان من الفعلين المجردين مَشِى وصَوَت، وهما مصدران مضافان إلى الفاعل الذي يقوم بهذين الفعلين ، وليس لهما مفعول به.
تفسير استخدام المصدر الصريح في القرآن
من ضمن تلك التفسيرات لوجود المصدر الصريح نجد في الآية القرآنية التي قال فيها عز الله وجل “مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكمْ إِلَّا كَنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” فهنا في تلك الآية خَلْقُ وبَعْثُ مصدران صريحان لفعلين ثلاثيين مجردين متعديين،
أضيفا إلى المفعول به الضمير كُمْ، ويرد في الآية الفاعل لمعرفته، وعندما قال جل جلاله بسم الله الرحمن الرحيم “
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ”، فاسْتِغْفَارُ مصدر صريح من الفعل المزيد استغفر، وهو مصدر مضاف
إلى فاعله وليس له مفعول به بمعنى القائم بالفعل وليس المنفذ عليه .
مثال استخدام المصدر الصريح في القرآن
نستشهد هنا بذكر مثال آخر عندما قال الله تعالى في الكتاب الكريم ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ”،
والمصدر الصريح هو دَفْعُ من الفعل المجرد المتعدي دَفَع، أضيف المصدر إلى فاعله – لفظ الجلالة- الله ،
ونصب في الشاهد مفعولاً به هو الناس فكانت مفعولاً به للمصدر.
وفى الآية القرآنية
التي قال فيها الله عز وجل “وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ”، ففي تفسير الآية هنا نجد الرِّبَا
هي مفعول به للمصدر الصريح أَخْذ وهو مصدر لفعل ثلاثي مجرد متعدي، وكذلك كلمة أَمْوَالَ التي جاءت
مفعولا به للمصدر الصريح أَكْلِ من فعل ثلاثي مجرد متعدي. وفي استشهاد آخر من الله سبحانه وتعالى،
فعندما قال سبحانه وتعالى ” لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا”،
والْجَهْرَ مصدر صريح معرف بـ الـ ، والمصدر هنا عَمِلَ عَمَلَ فعله فرفع فاعلًا، وهو الاسم الموصول مَن.
قال الله جل جلاله ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”،
فهنا في تلك الآية ذكر حِجُّ مصدر صريح لفعل ثلاثي مجرد متعدي، أضيف إلى مفعول به هو الْبَيْتِ ثمّ جاء الفاعل
بعده وهو مَنِ الموصولة. و قال تعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم، “َوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ”،
“فإِطْعَامٌ” مصدر صريح منونٌ من الفعل المزيد المتعدي أطعم، عَمِلَ عَمَلَ فعله، ونصب مفعولا به هو يَتِيمًا. قال تعالى:
لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْر، وهنا دُعَاءِ مصدر صريح من الفعل المجرد المتعدي دعا، وقد أضيف المصدر إلى مفعوله، دون ذكر الفاعل.